أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 16 ديسمبر 2024

قرن من الكفاح والخيبات والأمل


 دخل محمد محمود جاد الله (أبو نهاد) عامه المئة، في شهر أيار الماضي، وما زال في منزله في قرية صور باهر، جنوب شرق القدس المحتلة، يروي ذكرياته، عن مراحل هامة من التاريخ الفلسطيني. فـ (أبو نهاد) كان مناضلا في السرية الرابعة- الفوج الثالث التابعة للجهاد المقدس، برتبة ملازم أول، وشارك بفعالية في المعارك التي دارت في محور القدس- بيت لحم، عام النكبة تحت قيادة المتطوعين المصريين.

وشارك بفعالية في الحركة النقابية الأردنية قبل الاحتلال، وكان نائبا للأمين العام لاتحاد النقابات، واستمر في عمله النقابي بعد الاحتلال، وترأس نقابة موظفي الفنادق.

يجاور منزل (أبو نهاد) في قريته صور باهر التي تبعد 6 كلم عن وسط مدينة القدس المحتلة، المسجد العمري في القرية. وأصبح أبو نهاد، مثل المسجد معلما من معالم القرية، يأتيه باحثون وصحفيون، لتوثيق ذكرياته، مستفيدين من أرشيفه المنظم، وذاكرته القوية، ومنطقه في ربط الأحداث.

في إحدى زوايا غرفة الاستقبال في منزله، تقبع قذيفة، تشهد على المعارك الضارية حول القدس عام النكبة، يقول عنها أبو نهاد: "قبل سنوات عثر على هذه القذيفة قرب دير مار الياس، على شارع القدس-بيت لحم، فجلبوها لي، وهي من قذائف المدفعية التي كانت تطلق من منطقة كريمزان في بيت جالا، تحت قيادة اليوزباشي كمال الدين حسين، المسؤول عن الرماية، الذي أصبح لاحقا من الضباط الأحرار في مصر، الذين قادوا الثورة".

وعن رمزية هذه القذيفة يؤكد أبو نهاد الذي تحفظ سجلاته تفاصل دقيقة عن المعارك ومواقعها: "بفضل مدفعية كمال الدين حسين، التي كانت تدك المستوطنات الصهيونية، لم يسقط جبل المكبر، وهو موقع استراتيجي، كان سقوطه سيؤدي إلى توسع السيطرة الاحتلالية، كما حدث في حزيران 1967".

يحتفظ أبو نهاد بالكثير عن المناضلين المصريين، بقيادة اليوزباشي محمود عبده، ويتذكر الاجتماع اليومي للمناضلين بعد صلاة المغرب، ثم استعراض الجنود المناوبين في الخطوط الأمامية، وإعطائهم كلمة السر، التي تبدأ عادة بحرف الحاء.

يقول أبو نهاد: إن اليوزباشي عبده، كان يختار دائما كلمة تبدأ بحرف الحاء، مثل: حلاوة، وحليب، لأنه حتى لو تسربت للعصابات الصهيونية، فستكشف للمناضلين، لعدم قدرة أفراد العصابات ذكر حرف حاء، ونطقه خاء.

يؤكد أبو نهاد، أن قوات الجهاد المقدس، كانت مستعدة للمواجهة، مع الانسحاب البريطاني من فلسطين، وفي منطقة صور باهر وما حولها، بدأت المواجهة مع خمس مستوطنات صهيونية.

يتذكر: "حفرنا خندقا يمتد من شمال صور باهر حتى جنوبها، ووضعنا دشما، وسمينا كل واحدة منها باسم، وكل منها مرتبط بالقيادة في صور باهر، تلفونيا، وفي كل دشمة ثلاثة مناضلين، واحد من المتطوعين المصرين واثنان من الجهاد المقدس".

يعتقد أبو نهاد، أن أسباب النكبة عديدة، منها ما يصفه بالخذلان العربي، وعدم الإيفاء بتزويد المناضلين بالسلاح، وهو خبر ذلك، خلال تدربه مع آخرين بقيادة عبد القادر الحسيني في سوريا، وتفوق سلاح العصابات الصهيونية، وكذلك في عتادها الذي أخذته من المعسكرات البريطانية، إضافة إلى الإرهاب الصهيوني، والذي تمثل في مجزرة دير ياسين، التي جعلت كثيرين من المواطنين يغادرون قراهم ومدنهم.

من خلال عمله في فندق الامباسدور في القدس المحتلة، تعرف أبو نهاد على كثيرين من رؤساء دول من ضيوف الحكومة الأردنية، ورافقهم في تنقلاتهم، كما حدث مع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة.

في حزيران 1967، احتلت قوات الاحتلال منزل أبو نهاد، بسبب موقعه الاستراتيجي المشرف في القرية، وهروب الأهالي إلى المغر والأشجار في البرية، ولكن تصميم الأهالي على العودة، كان أقوى من بطش الاحتلال، المستمر حتى الآن، كهدم المنازل، والتضييق اليومي على المواطنين.

رغم كل الخيبات، فإن أبو نهاد، يتمتع بمعنويات مرتفعة، وتوقد ذهن، وإيمان كبير بمستقبل شعبنا، ومدينته الأثيرة القدس.

https://www.alhaya.ps/ar/Article/125850/%D9%82%D8%B1%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%D8%A7%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%84


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق