تنبيه هام:
(هذه قصة منقولة عن بعض مواقع التواصل
الاجتماعي، يود فيه أسمي أو اسم يشبه اسمي، عثرت بها، في محرك البحث عن اسمي،
فأعثرتني، وأُعيد نشرها هنا، لكي، فقط، والله من وراء القصد، كما تعلمون، لأؤكد
عدم علاقتي بها، والنّاس، تخلق من الأسماء أربعين، ولا أنصح معظمكم بقراءة هذا
الهراء، إلَّا إذا أردتم التسَلِّي، وسط حالة البؤس الّتي، أعلم، أنها محيطة بكم
وبخلطائكم، وأخيرًا، وليس آخرًا، أقول للذين يعكرون مياهنا الصافية، بمثل هذه
المنشورات ذات الأجندة المعروفة لكم، ومنهم من يَرغو، ويَثغو، ويَنهق، ويَشْحَج،
ويَخُور، ويَبْغَم، ويَعوِي، ويَنبَح، ويَزْقُو، ويَضْغُو، ويُصَوْصِي، ويُقَوْقِي،
ويَنْعَبُ، ويَنْزِبُ، ويكِشُّ، ويَعِجُّ، إنَّ قافلتنا تسير، وهل يضر السَّحاب نُبْاح
الكلابِ؟)
**
1
من يزور قريتنا، أوّل مرّة، ستدهشه معالمها،
ومن يعرفها ويزورها بعد انقطاع، سيلفته الدَّيْر في بطن الجبل، حلم كاثوليكيِّ،
زار بلادنا، قبل سنوات لم يعد يذكرها أهالي القرية، واقتنع أن نبعها، هو النبع
المختوم، في نشيد الأنشاد، الذي ترنم به سليمان، الملك، النبيّ، الحكيم، مشبها
شفتي المحبوبة، بنبعنا.
وسيلفته أيضًا قوات الماء التي حملت المياه
إلى القُدْس، والوادي المدهش، وبقايا الباحثات اللواتي جئن من بلادٍ قصية، في أقصى
شمال العالم، ليكتبن عن أسلافنا. ولست هنا بصدد الحديث عن كل ما هو مدهش للزائر
الغرّ، فيمكن لأيٍّ منكم، إن دفعه الفضول أن يأتي ويزورنا.
ومن يعرف قريتنا، ويزورها، بعد انقطاع
ستدهشه، الشقق القرميدية الحمراء، التي تتمدّد على جبالنا، وسيلحظ ذلك، لأنّه سيرى
القرميد الأحمر ينمو ويكبر، في غَفلة عنا، ويحمي تحته، يهودًا أتوا من دولٍ بعيدةٍ
وقريبةٍ، تركوا بلادهم، ليستوطنوا جبالنا ويعطوها، أسماءً جديدة، بينما نحن ما
زلنا، حتى الآن، على الأقل نتمسك بأسماء أبطالنا الشعبيين، الّذين مرّوا من وادينا
وجبالنا، وشربوا من ينابيعنا، مثل أبو زيد الهلاليّ، ما غيره، وذياب، ما غيره،
وكذلك أسماء بعض الأجنبيات اللواتي استطوتن قريتنا، مثل ميليا، ولويزا، وهيلما.
مشكلة قريتنا (في الواقع ليست مشكلة)، أن من
يكتب عنا، وعن تاريخنا، الأجانب، والأجنبيات، والّذين، واللواتي، حتّى يوم النَّاس
هذا، مرحبين بهم، وبهن.
هذه المرّة الأولى، التي أحاول فيها، كتابة
حكاية عن قريتنا، بتشجيع من الكاتب المدعو أسامة العيسة، الذي يقول إنّه كتب رواية
عن قريتنا، ولكنّني، مثل معظم أهالي القرية، لا أقرأ، ولا أحب الّذين يكتبون أو
يقرأوون، متفذلكين، علينا نحن غير القرّاء. هو ابن المخيم الذي يعلو قريتنا، ابن
أحد اللاجئين، الّذين فوجئ أجدادنا، أنهم وصلوا، إلى منطقتنا، هاربين من اليهود
المسلحين، ولا أعرف لماذا لم يعودوا إلى بلادهم حتى الآن، وإلى متى سيظلون في
مكانهم، يمنعون عنا، نحن الذي في الوادي، الهواء؟
2
لا أعرف لماذا أجد نفسي، أتجنّب، الدخول
مباشرة في حكايتي، عمومًا سأتشجّع قائلاً:
في يوم الجمعة ذهبت، إلى مسجد القرية لأصلي،
وفي نفسي الكثير من نفس يعقوب، كما يقولون، ولا أعرف لماذا يقولون ذلك، ولكنّكم، لا
تعرفون مثلي سبب ضرب المثل، وإن كنتم، تعرفون، مثلي، التورية خلف هذا المثل
المضروب.
لا أُصلّي بانتظام، ولا أحب أن أُصلّي في
المسجد، إلَّا إذا كنت مضطرًا، أخشى أن أُحسب على هذا الحزب أو ذاك. رأيت الوجوم
على سحن الّذين أتوا مثلي للصلاة، وتبينت، أربعة أو خمسة من العسس، عرفت، كما عرف
باقي المصلين، سبب قدومهم، فهم مثلي أقصد العسس) غير منتظمي الصلاة.
بدأ المصلون، يتململون، مع تأخر وصول
الإمام، الذي يتلقى راتبًا من وزارة الأوقاف، وتحوَّل التململ، إلى ضيقٍ، ويقينٍ،
بأنَّ عدم وصول الإمام، أمر مقصود، وإنّهم، الحُذّاق الّذين تعرفونهم، لم يرسلوه،
لعلمهم بالجيشان في ضلوع المصلين، وأنا منهم، فقالوا، ليتدبروا أمرهم بأنفسهم،
وجمعة تمرّ. وكل الجمع سوف تمرّ، وما الدُّنْيا نفسها، سوى جمعة ستمرّ سريعًا.
اتجه نظرنا، إلى أحدنا، وهو أثقفنا في
الدين، ليؤم بنا، ويخطب، ولكن والده تدخل بحسم: نحن لن نتحمل المسؤولية، لنصلي
وكفى، وكل منا، يعود إلى داره، ويا مسجد ما دخلك شر.
تململ المصلون أكثر، وتنطع أبو مرّ، الّذي عُرف
في قريتنا، ومحيطنا، بأنّه نُبذ، لأنّه رفض أن يكون عسسا، وتحوّل إلى معارض رغم
أنفه-كما يقولون، يتعرض للاعتقال، وعُرف أكثر، عندما نشط في الحراك الشعبي ضد رئيس
الحكومة المدعو سلام فياض، وحاوره شخصيًا، مع المحتجين، الّذين انتظروا خروج
دولته، من اجتماع مع مَحاسيبه السابقين. ولكنّه الآن، وأقصد المدعو فياض، يقال إنّه
ندد بالجريمة، وإن نسي أحد أنه ترأس حكومة، مارست الاعتقال السياسيِّ، فإنَّ أبو
مُرّ خَصّ نَصّ، لن ينسى، رأيت له مؤخرًا، وأقصد المدعو فياض، صورًا يظهر فيها
اهتماما بالأدب، ويخاصر الكاتبات.
صرخ أبو مُرّ: هذه صلاة جمعة، لا تجوز بدون
إمام وخطبة، هذه ليست صلاة ظهر نقيمها في جبل أبو زيد، أو حريقة ميليا، أو قرنة
ذياب، أو حاكورة بطرس.
تنطع المؤذن (باعتباره المسؤول الأول الآن
عن المسجد بغياب الإمام)، الّذي لا يريد أن يتحمل مسؤولية، متهمًا أبو مُرّ بأنّه
لا يفهم في الدين، بل متى كان يفهم فيه؟ ولكننا، كنا جميعا، ربّما باستثناء العسس
الذين بدو محرجين، مع أبو مُرّ.
صلاة الظهر، صلاة ظهر، وصلاة الجمعة، صلاة
جمعة، أي غرّ في الدين، يعرف ذلك، وإلّا لماذا غادرنا منازلنا وجئنا إلى المسجد.
3
فجأة حسم النقاش، من وقف، بثوبه الأبيض، الّذي
يشبه دشداشة خليجية، يضع على رأسه حطة فلسطينية بيضاء، عليها عقال أسود، وقال: أنا
سأخطب بكم، بل وسنصلي صلاة الغائب أيضًا على روحه الطاهرة.
أخذ الميكرفون، وهتف:
-كلنا نزار بنات، الّذي قُتل مظلومًا، تبًا
للقتلة.
أثلج المتحدث الأبيض، فلحيته المشذبة أيضًا
بيضاء، وبدا لي وجهه أبيض تخالطه حمرة، صدور مؤمنين أمثالنا، حتّى لو كان بعضنا،
مثلي، لا يقيمون الصلاة، دائمًا.
خطب الأبيض، مستفتحًا، بأن يجنبه، وإيانا،
الشُّبهة، ويعصمنا، من الحيرة، ويجعل بيننا، وبين معرفة الحق، نسبًا، وبين الصدق
سببًا، وبأن يحببنا، ربّ العالمين، بالتثبت، ويزين في عيوننا، الإنصاف، ويشعر
قلوبنا، عزّ الحقّ، ويودع صدورنا برد اليقين،، ويطرد عنا العسس، ويعرفنا، ويعرفهم،
ما في الباطل، من الذلّة، وما في الجهل من القلّة.
وأعلى نزار، إلى مقام الأولياء والصديقين،
الّذي لم يقل إلّا الذي أردنا قوله، ولكنَّ الله، ختم على قلوبنا الجبانة الكريهة.
ورفع صوته مؤنبًا، ومقرعًا، قائلاً:
حتى امرأة مثل كبشة بنت معد يكرب، أشعرت في
زمنها، وكأنّها تشعر في زماننا:
جدعتم بعبد اللّه آنُف قومه بني
مازن أن سبّ راعي المَحزّم
لم أفهم معنى البيت، ولا فهم غيري، ولكننا،
هززنا رؤوسنا، مستحسنين، وعندما حانت مني نظرة على العسَس، رأيتهم يطالعون بعضهم،
محتارين. كيف سيحفظون البيت، ليضمّنوه في تقاريرهم؟ حتّى لو كان يمدح في بني مازن،
الّذين نسمع عنهم أوّل مرّة، وأوّل مرة، كما تعلمون، ليس مثل كلّ مرّة.
تركنا الأبيض، غائصين في جهلنا، وأكمل:
تقول العرب، وما أصدق ما قالت: "العصا
من العُصيّة، ولا تلد الحيّةَ إلَّا حيّة".
وأقول أنا باسمكم: "نُجمع على
استسقاطه، واستفساله، من اتخذ العتلة، طريقةً، لقتل نزار، قبل أن يبيّض النهار،
عتّم الله أيامه، واتخذ نزار خليلاً، إنك سميع مجيب".
رفع يديه لندعو على الظالمين، رأيت العسَس،
هذه المرّة، يغادرون، وربّما سمع آخرهم، وهو على الباب، قول الأبيض: سنصلي الآن
صلاة الغائب على روح الشهيد نزار، مثلما كنا نفعل للشهداء في الانتفاضات السابقة.
تكاسلت في الخروج من المسجد، بحثت عن
الأبيض، لم أره، وبحثت عنه في الأيّام اللاحقة، فلم أعثر به، ولا أريد هنا أن
أوحي، بأنّه تعرض لخطر، ولكن ببساطة، لم يظهر، وكأنّه شهاب، أضاء عتمة مسجدنا في
يوم جمعة، واختفى هكذا بكل بساطة، سأنتظر الجمعة المقبلة، وإن حدث شيء، سأخبركم.
4
مرة التقيت المدعو أسامة الذي ذكرته، وهو عويص
باطني، برفقة من قال إنّه رفيق أكاديميّ من تشيلي، يطلان على دير قريتنا، بدا هذا
الرفيق متجهمًا، يبدو أنه سمع شيئًا مغرضًا من المدعو أسامة هذا، فسألني وظهرت على
شفتيه ابتسامة ساخرة:
-لأي دين هذا الدَّيْر؟
لم أفهم عليه، ولكن بمزيد من الاستفسار، أجبت:
*أظنه للاتين، أو الكاثوليك. ماذا تسمونهم
أنتم؟
فرد علي غاضبًا:
-هم أيضا احتلوكم؟
بعثت خلف المدعو أسامة، لعله يعرف الأبيض،
الّذي قد يكون من مجانينه، نزل إليّ من مخيمهم قلقًا، فهم خطأً، أن مجنونًا قد مسه
خطرًا، وما أكثر الخطرين، في قريتنا ومخيمهم. أعدت عليه بيت الشعر للمدعوة كبشة، فقال
إنّه مثلي، لا يفهم البيت. ولكنّه حذرني، بضرورة، التأدب في حضرتها باعتبارها
صحابية، وليست فقط شاعرة حسناء، وشجاعة، وجميلة.
أعدت عليه بعض ما قاله الشبح الأبيض في
خطبته، فقال ضاحكاً:
-هذا متأثر بالجاحِظ..!
وسألني إن كنت لاحظت جِحوظًا في عينيه، نفيت
أنني لاحظت، أن الشبح بعينين جاحظتين.
ضحك المدعو أسامة أكثر، وأنا أضيق منه أكثر.
قال ساخرًا من أمرط ريش مثلي:
-بل لعله الجاحِظ، إنه جاحظ أيامنا، جاء
ليزورنا، المرة المقبلة، أرجو أن تبلغه، بأني في شوقٍ لرؤيته.
اتفقنا، أن نبحث عن الجاحظ، وهذا الاسم الجديد لرجلنا الأبيض، في دير المجانين، لعله خرج من هناك، وعاد إلى هناك. مجانين الدير لا يحبون عالمنا خارجه، أو الأصح، لا يتحملونه. يستغربون منا تحمله، ويظنون أنه ليس مثل تحملنا دلالة على جنوننا الفعلي، الّذي لا ندركه.
#نزار_بنات