تفاهة الشر. طبعًا،
هذه المقولة، أو النظرية، صاحبتها حنة أرنت (أردنت).
في لحظة إشراق وهي
تغطي محاكمة المجرم النازي ايخمان في القدس، وتستمع لدفاعه، أدركت انه منفذ أوامر،
كان يمكن أن يفعل العكس، نكرة، موظف بيروقراطي، فعل ما فعله بدون تفكير، أو إحساس،
أو تأنيب.
اعتبرت ايخمان أحمقًا
حقيقيًا، وقرأت 3600 صفحة من محاضر التحقيق معه بتمحيص واهتمام، لتكتب كتابها المعروف
عن المحاكمة.
بعد أن شهدت
المحاكمة، توصلت أرنت إلى استنتاج أن: "الشر لا يصدر عن بغض أو عن سرور في
إلحاق الأذى، بل إنها تقترح أن الأسباب التي تجعل الناس يتصرفون بهذه الطريقة هي
أنهم ضحايا فشل في تحكيم العقل. النظم السياسية القمعية تستغل ميلنا للوقوع في هذا
الخطأ، فتتمكن من جعل هذه التصرفات التي نعتبرها بالعادة ممتنعة على التفكير بسبب
فظاعتها، تبدو طبيعية". اقتبس ملاحظتها الحادة عن النكرة ايخمان، لأقول بان
نظرية النكرات تصلح لتفسير مآلات المجتمعات في العالم الثالث.
النكرات، مثل
الجينات، التي تستخدم أجسادنا لتحافظ على بقائها، ولكنها تختلف عنها، فالجينات وهي
تتكاثر، تحافظ على الأفضل منها، وتنحي الأضعف، أمّا ملايين النكرات التي تصوغ
حيواتنا الاجتماعية، فهي فرحة بما هي فيه من هبل وحماقات وقلة حيلة.
هدفها هو التكاثر،
حتى يبدو ان ذلك بدون هدف، ولكنها تواصل إنتاج نفسها، حتى وهي تظن بأنها واعية لما
تفعله.
النكرات، تضم ملايين الأبناء،
والأمهات، والآباء، والزوجات، والأزواج بالإضافة لبيروقراطي المؤسسات العامة
والخاصة. رؤساء العمل، ورؤساء الدول، والأحزاب، والمنظمات الدينية والدنيوية، حراس
فضيلة، وحراس أوطان، وحراس عشائر، نساء ورجال، "هتيفة"
و"سحيجة" تخترق الطبقات، فيها من الأغنياء والفقراء، مهمتها تنفيذ الأوامر،
الأوامر المباشرة، والأخرى، التي تفهمها، في السياقات المختلفة، في الواقع هي لا
تفهم إلا منتجات السياقات.
الجنيات تعمل على
تطوير نفسها، تسود، وتتنحى، وسيكون ظهور المتنحي، سوى خطأ كارثي. فقط النكرات هم
من سيعتبرون ولادة تيس برأسين، "قدرة إلهية".
النكرات هي التي ترفض
التفكير خارج الصندوق، وتصنع حيواتنا، وتتحكم بها، من حاجب المحكمة، إلى رئيس
البلاد.