حمى بيت لحم

قبل ساعتين من بزوغ فجر عام جديد، كان أبو جوهر، بائع (فستق العبيد) في شارع المدبسة في بيت لحم، ما زال ساهرا، على غير عادته، ويرقب تدفق العشرات من الشبان الذين يمرون من امامه، نزولا إلى ساحة المهد.

قال أبو جوهر وهو يشعر بالدهشة: "حتى في الكريسماس، لم تشهد بيت لحم، مثل هذه الحركة"، وغابت كلمات أبو جوهر أمام اصوات المجموعات الشبابية التي تصدح بالغناء، أو بالصراخ، تعبيرا عن احتفالها برأس السنة الميلادية.

وادار أبو جوهر حوارات مع زبائنه، الذين اتوا من مختلف المحافظات الفلسطينية، ولديهم فكرة غير واضحة عن احتفالات ستنظم في بيت لحم، براس السنة.

مع لسعات البرد، التي تزداد حدتها، مع تقدم الليل، كان أبو جوهر أيضا ينصت إلى كلام صديقه أبو النور، الذي لا يحترم كثيرا مناسبة مثل رأس السنة، ويربطها، بموروث ديني، يشير كما يقول لعلاقتها بإبليس، ودليله، ان اول ايام السنة الجديدة، هو يوم ثلاثاء، اليوم الذي يعتقد أبو النور جازما ان إبليس ولد فيه، وجهد لإقناع أبو جوهر، بان يتغيب عن عمله يوم الثلاثاء، ولكن ابا جوهر، الذي لا يحاول تصديق صديقه، لا يريد ان يخسر يوم عمل جديد، في سنة يأمل ان تكون سنة خير كما يقول.

وبعيدا عن حوارات أبو جوهر وأبو النور التي لا تنهتي، كان الوضع مختلفا في ساحة المهد، التي بدت مكتظة واشبه بسفينة نوح، كما قال احد المواطنين، واضاف: "لقد أُصيب الجميع بحمى بيت لحم، من كل قرية ومدينة وبلد في فلسطين والعالم، ترى اثنين وثلاث وعشرة".

وتجمع العشرات في الساحة، تحدوهم الرغبة بانبلاج عام جديد في بيت لحم، ليس بعيدا عن المكان الذي يُعتقد ان المسيح ولد فيه، في حين لم يكن لدى السلطات المختصة، أي خطة لبرنامج ما، وهي التي عمدت خلال السنوات الماضية إلى تقليص الاحتفالات التي اصبحت تقليدا في حياة المدينة، الخاصة بعيدي الميلاد حسب التقويمين الشرقي والغربي، والسبب غير المعلن، هو تقليل الاشكالات التي تحدث.

وامتلأت الساحة أيضا بعشرات الباعة الجائلين، من القهوة إلى الذرة، والترمس، ومشروبات ساخنة أخرى، بينما اقتصر تقديم المشروبات الروحية على المقاهي المحيطة بالساحة.

وقال مواطن من الجولان، بان اراد مع عائلته قضاء رأس السنة في بيت لحم، وهي المرة الاولى بالنسبة له التي يزور فيها بيت لحم، ويشعر بالسعادة لأنه سيمضي هذه المناسبة وسط أجواء عربية.

وما لبث ان تحول الحديث عن مناسبة مثل رأس السنة، إلى نقاش سياسي بين بعض الموجودين، والضيوف من الجولان، الذي وصلوا المدينة في مجموعات، وكما هو متوقع فان الحديث كان الوضع الذي تعيشه سوريا.

كانت بيت لحم وهي تستعد لتوديع عام جديد، تفكر في سوريا، وهذا أمر طبيعي كما قال ياسر الجواريش: "نحن جزء من بلاد الشام، وما يجري في سوريا يعنينا، أكثر بكثير مما يحدث في بلاد بعيدة نسبيا عنا مثل ليبيا".

ولم يكن الموضوع السوري، هو الموضوع السياسي الوحيد الحاضر في ساحة المهد، التي شهدت في ساعات النهار احتفالا بانطلاقة حركة فتح، تجمع فيه فتحاويون من اقليمي الخليل وبيت لحم، وكانت مسألة النظام، والحضور وغيرها من امور تنظيمية مثار نقاش بين فتحاوين شباب وآخرين من أصدقائهم، وجدوها فرصة للنيل من الفصائل وتصرفاتها.

وجلست الناشطة الفتحاوية ماهرة الجمل، خلف حامل حديدي، تنتظر البعض لإيقاد شعلة انطلاقة حركة فتح، وهو ما حدث مع وصول رئيسة بلدية بيت لحم فيرا بابون، واعضاء من المجلس البلدي وصلو إلى مناصبهم، على قائمة حركة فتح، وتم ايقاد الشعلة، والتقاط الصور التذكارية، وانطفأت الشعلة بعد ان ان فرغت جرة الغاز الصغيرة.

وبعيدا عن الساحة، احتفل آخرون، بطريقتهم برأس السنة، ووفقا لمصادر سياحية غير رسمية، فان جميع الفنادق، والمطاعم، والكوفي شوب، كانت محجوزة سابقا من قبل الزبائن، وحسب نفس المصادر فانه في بعض الحفلات وصل ثمن التذكرة للفرد 300 شيقل.

وعندما بزغ فجر يوم جديد، هاجت وماجت ساحة المهد بشبابها ونسائها، وسياسيها، وبائعيها، وصعاليكها المداومين فيها، ولكن مع اشراقة الشمس، لم يكن هناك سوى عمال النظافة الذين عملوا على مدار الساعة، وابدوا عدم رضاهم عن سلوكيات المحتفلين، الذين اصيبوا بحمى ليلة بيتلحمية.