يؤشر مشهد في مدينة رام الله الفلسطينية، إلى معنى رمزي لمصير المؤتمرات والمنتديات التي تعقدها النخب في فلسطين وربما في البلدان العربية، التي ينتهي صخب النقاشات الحادة التي تدور في أروقتها، مع انتهائها، وعودة المناقشين المحتدين كل إلى منزله، دون أن يعرف أحد ما هي نوع الاستفادة من هذه المؤتمرات، التي يتم الحشد لها والصرف السخي عليها، وعلاقتها بالجمهور الواسع العام الذي يبقى مغيبًا، إلا انه في بعض الحالات يستفيد من هذه المؤتمرات بطريقة غريبة، كما حدث بالنسبة إلى إحدى عائلات مدينة رام الله. وتعود قصة المؤتمر إلى عام 2005، عندما نظمت منظمة غير حكومية يديرها الدكتور رياض المالكي، الناشط السابق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الماركسية الراديكالية، ووزير الإعلام في حكومة الدكتور سلام فياض الحالية البراجماتية، مؤتمرًا، جندت له دعاية إعلامية ضخمة، وقدم باعتباره المعادل الفلسطيني لمؤتمر هرتسيليا الإسرائيلي، وهذا الأخير يعقد سنويًا وتتحدث أمامه النخب السياسية والثقافية والاجتماعية في إسرائيل، بصراحة عمّا يخططونه وينفذونه، ويحظر فيه أي كلام إنشائي، ويتم في كل عام اختيار محور للمؤتمر، ويوفر فرصة ليس فقط للإسرائيليين، ولكن لمن يتابعون الشؤون الإسرائيلية لمعرفة كيف تفكر إسرائيل، وفي كل عام يحدث ما يدور في المؤتمر ضجة واهتمامًا.ومدفوعًا بما يمكن تسميته بالافتتان بمؤتمر هرتسيليا الإسرائيلي، أسمى المالكي مؤتمره (مؤتمر رام الله الأول) وخصصه لتقييم عشر سنوات من عمر السلطة الفلسطينية وعقده تحت عنوان (عشر سنوات على وجود السلطة الفلسطينية: تقييم التجربة ورؤية المستقبل)، بتمويل سخي من جهات مانحة، وتم ذلك على مدار عدة أيام وتحدث فيه خطباء من فلسطين التاريخية ومن بلدان الشتات مثل لبنان، وبثت جلساته مباشرة، عبر عدة محطات تلفزيونية، وتسابقت القوى الفلسطينية المختلفة للمشاركة في المؤتمر، حتى حركة حماس التي احتج أحد نشطائها على عدم دعوة قيادي حماس الشيخ حسن يوسف للحديث أمام المؤتمر.
ومِن بين مَن تحدث في المؤتمر احمد قريع (أبو العلاء) رئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك، الذي أراد أن يكون خطابه مغايرًا، مع ما يقوله، مقلدًا خطباء مؤتمر هرتسيليا فقال "ان الوضع الفلسطيني كله يقف اليوم على مفترق طرق وعر محفوفٍ بشتى الأخطار". وخاطب المؤتمرين بحماسة لافتة وبصوت أراده جهوريا"..ولا يفوتكم، أيتها الأخوات والإخوة، أننا اليوم بحاجة ماسة أكثر من ذي قبل، إلى طرح الأسئلة الصعبة على أنفسنا دون تحسبات، وإلى إجراء الحوارات المعمقة والصريحة حول شؤون البيت الفلسطيني وشجونه دون مجاملات. نحن بحاجة إلى الأفكار الكبيرة، إلى الخيال المتقد، إلى الرؤية الاستشرافية، إلى اقتحام المستقبل بما فيه من فرص وتحديات، إلى إنهاء ازدواجية العلاقات الداخلية وتعدد المرجعيات، إلى تسريع عملية الإصلاح الشامل وتعزيز سيادة القانون والعدالة وثقافة المؤسسة وإنهاء مظاهر الفوضى والفلتان والاستئثار والفساد، وما إلى ذلك من مواطن الضعف ومكامن القلق والتذمر التي باتت على كل لسان".
وتحدث في المؤتمر أيضًا الطيب عبد الرحيم مدير مكتب ياسر عرفات، الذي حاول أن يقدم قراءة نقدية لتجربته مع عرفات، وان يكون صريحًا، ولو بشكل نسبي، وفعل مثله آخرون، وصدرت توصيات عديدة، لا يعرف أين أصبحت الان، وربما يؤشر على مصيرها، ما حدث ليافطة المؤتمر التي وصلت، بطريقة ما، إلى إحدى العائلات في مدينة رام الله، وتستخدمها الان كنوع من شادر لحماية جزء من باحة البيت من نظرات المتطفلين، وربما يكون ذلك الفائدة الوحيدة له، على المستوى الشعبي على الأقل، كما علق أحد سكان حي مصباح الذي يقع فيه البيت.
ويقع البيت في ما يطلق عليه (رام الله التحتا)، على حافة واد، يقابل مقر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) المعروف باسم المقاطعة، الواقع في (رام الله الفوقا)، وكأن يافطة مؤتمر رام الله الأول النخبوي، الذي لم يكن له ثانٍ، الذي انتقلت من (فوق) حيث عقد المؤتمر إلى (تحت) حيث توجد الان يؤشر إلى مدى الهوة بين عالمين يتعايشان في فلسطين، في لحظات تاريخية فارقة.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/3/311862.htm
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق