عندما
وصل بطريرك الأرمن في القدس والأراضي المقدسة نورهان مانوغيان، إلى ساحة المهد في بيت
لحم، لترؤس احتفالات أعياد الميلاد وفقا للتقويم الأرمني، سمع دقات جرسية دير
الأرمن ترحب به، وعرف بالطبع، بأنها تدق لأوّل مرة، ولعله قدر وقع رنين دقات
الأجراس التي تنبئ بأنها جديدة.
في
اليوم السابق لوصول مانوغيان، أكمل أبو وديع رفع الأجراس التي انتظرت عدة أيام على
بلاط كنيسة المهد، إلى الجرسية أعلى دير الأرمن، ولكنه وضع الجرس الكبير على
السطح، لصعوبة وضعه داخل الجرسية، لأن ذلك يستلزم فك أحد الأعمدة الحجرية التي
تحمل الجرسية، كي يصل الجرس إلى مكانه، وهو ما يتوقع حدوثه مستقبلا.
أبو
وديع هو صاحب أشهر ونش في محافظة بيت لحم، ولديه خبرة طويلة في مجال عمله، تجعل
المؤسسات الدينية وغيرها تستعين به.
على
السطح وداخل الجرسية، ابتدأ الإعداد لاستقبال الأجراس خلال الأيام الماضية، وفككت
الأجراس القديمة التي ظهرت عليها علامات الزمن، بينما بقيت تنتظر على بلاط
الكنيسة.
أبدى
أبو وديع ومساعده حماسة في ربط ورفع الأجراس، وهو عمل يمكن أن يساهم فيه المرء كل
مائة سنة، أو أكثر. وكان لدى أبي وديع إدراك لوقع اللحظة، وقال وهو يعمل تحت زخات
المطر: "السماء تبارك ما نفعل".
قال
راهب أرمني، بأنه لأول مرة منذ بناء الجرسية الجديدة، تركب هذه الأجراس، أي منذ
نحو مائة عام، حيث بنيت الجرسية في العشرينات من القرن الماضي.
وتظهر
حجارة الجرسية أكثر بياضًا من حجارة باقي الدير، إشارة إلى أنها بنيت لاحقًا، ولدى
محمد مراد أقدم مصور للسياح على بلاط كنيسة المهد حكاية تبدو طريفة لكيفية بناء
الجرسية.
يقول
مراد، نقلاً عن ما سمعه من رهبان أرمن، أن المسؤولين في دير الأرمن جهزوا حجارة
الجرسية مسبقًا بناء على مخطط معد، وانتظروا يوم العطلة الأسبوعية لمركز الشرطة
البريطانية القريب، ليشيدوا الجرسية، وعندما لاحظ رهبان الطوائف الأخرى ما يحدث، وأرادوا
إيقافه باعتباره خرقًا للاستتيكو (الوضع القائم) لم يكن بالإمكان الاستعانة
بالشرطة، وهكذا فرض الأرمن أمرًا واقعًا ببناء الجرسية.
لا
يوجد قصة رسمية حول بناء الجرسية، ولم يهتم أحد من دير الأرمن بنقض الرواية
الشعبية، التي تناسب الوضع القائم في كنيسة المهد، الذي تتقاسمه ثلاثة طوائف.
حصلت
تطورات عديدة على عمل الجرسية التي ترتفع عن سطح الدير، لتوازي جرسية الروم
الأرثوذكس، ولكنها أقل فخامة، وفي حين كانت تقرع يدويًا، فإنها في السنوات الأخيرة
أصبحت الأجراس تدق بواسطة أزرار، في استفادة من التطورات التكنولوجية.
الأجراس
الجديدة، وهي متفاوتة الأحجام، صنعت في روسيا، وعليها نقوش أرمنية، بالإضافة إلى
نقش الصليب، وصورة لقديسين أرمن، وسنة الإنتاج 2019م.
والأجراس
هي تبرع من روس مؤمنين، أرادوا وهب دير الأرمن تقدمة تستمر لفترة طويلة، وهو ما
تحقق أخيرا بوضعها مكان الأجراس القديمة التي أنزلت عن عرشها، المحمول على أربعة
أعمدة، ولن تتأرجح بعد الآن في سماء بيت لحم.
عبر
بعض المهتمين عن فرحهم بالأجراس الجديدة، وقال يوسف الشرقاوي عاشق ساحة المهد،
والذي يجلس معظم الأيام على مقهى في الساحة، بأن بيت لحم تستحق الكثير، وأهلها
يرحبون بمثل هذه اللفتات التي يصفها بالثقافية والفنية، معبرا عن إعجابه بالأجراس
الجديدة.
بدأت
أجراس الأرمن الجديدة تدق، في الشهر الأول من العام الجديد، بينما صمتت الأجراس
القديمة التي دقت لنحو قرن من الزمن، ولا أحد يعرف كم من السنوات ستدق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق