(1-2)
1
عندما
قرأت قصة (عادة للريح) للكاتب الإسرائيلي عاموس عوز، بترجمة سلمان ناطور، لم أتوقف
للمعاني الرمزية للقصة كما شرحها ناطور، وإنما عند هذا الكاتب الكولونيالي، الذي شب
في تل بيوت، على مرمى بصر من منزلي (كلها منازل، لا بيت لي). كيف تعرق بكل هذه
الشذرات عن البيئة الفلسطينية؟
وسيقود
التساؤل حول القصة البديعة، لاحقا، لتساؤل أشد قسوة: ماذا يعرف الكُتّاب ضحية
الاحتلال الكولونيالي، عن مفردات البيئة؟ هل هي بيئتنا أم بيئتهم؟ هل الأفاعي،
والقطط، والأشجار، والأزهار، فلسطينية أم إسرائيلية؟
ليس
لدي شك بأن الكاتب في وطنٍ ما، أرض ما، عليه أن يعلم، عن حيوانات، وأشجار، وحجارة،
وأساطير، وآلهة ذلك الوطن. انها جزء من الهوية، ومن أدوات حرفة الأدب.
2
في
كتابه الذي جلب له الشهرة العالمية (الريح الصفراء)، يكتشف الكاتب الإسرائيلي،
ريحا من نوع أخر في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، التي جال فيها لخط كتابه
المثير للجدل.
في
قرية وادي فوكين، يلتقي غروسمان، مسنا فلسطينيا، يخبره عن وجود الريح الصفراء،
التي إذا هبت ستقتلع الأخضر واليابس، العرب واليهود، لن تبقي شيئا، ولا أحدا، وتطهر
الأرض من الظلم.
لم
يتعظ المجتمع الكولونيالي على أرض الفلسطينيين، بتحذير المسن الفلسطيني، وستظل
الأراضي المقدسة، في انتظار تلك الريح. الأرض التي طالما قال لنا أهلنا، بانه لا
يُعمر بها ظالم. بالطبع لان من يتناوبوها هم الظالمين..!
اعتقدت
أن الختيار الذي التقاه غروسمان هو المرحوم أبو مصطفى سكر، الذي التقيته وسجلت حكاية
القرية التي ستصبح حدودية، والتي لم تنته حكايتها حتى الان.
أمّا
صديقي يوسف الحروب، فقال لي بان صاحب الحكاية هو والده..!
3
الريح
الشرقية هي رياح السموم، عندما تهب في آب وأيلول والربيع، لأنها حارة وجافة،
ومحملة بالرمال لمرورها فوق الصحراء، ولكنها ليست بدون فائدة، فهي تساعد على إنضاج
ثمار الفاكهة، وتجفيف بعض المحاصيل كالزبيب والقطين والتبغ والسمسم وغيرها، وتتسبب
ببعض الأضرار، خاصة فيما يتعلق بمحصول المقاثي، حيث تسبب جفاف أوراقها وضربة الشمس
لثمارها.
"الشرقية"
التي تقص المسمار في هذه الأيام، الباردة والجافة، هي في الواقع ابنة أوانها، تسبق
هطول الأمطار. يقول ناسنا (الشرقية محراك الشتا). تكون عادة باردة وجافة، وقوية
وعاصفة، وفي أحيانٍ خفيفة معتدلة السرعة، أمّا الليالي التي تهب فيها الشرقية،
فغالبا ما تكون غيومها عالية وقليلة، لذا فان السماء تكون صافية، فيقول ناسنا عنها
(امكشفة) أو (كشاف).
الشرقية
دخلت يومها الخامس أو السادس، ولم يأت المطر، في العادة ينزل المطر بعد يومين أو
ثلاثة من تغلغل البرد في العظام. ولم تستجب السماء لنداءات الاستسقاء الخجولة. في
زمن ما شكلت مواكب الاستسقاء، مغناة تشرح للزرقاء التي تظلل الأرض ما سببه انقطاع
المطر، فترسله مدرارا..!
إن
ما يحدث في أرض الأساطير المقدسة، قد لا يكون فقط عادات للريح..!
*استفدت
حول الريح الشرقية من كتاب الباحث عمر حمدان (العمارة الشعبية في فلسطين).