هتف النَّاس
في طريقهم الى موسم النبي موسى يتقدمهم الحاج أين الحسيني:
"حاج
أمين يا منصور
بسيفك هدينا
السور"
هذا الفخر الغريب،
والتباهي بهدم سور القدس، باعتباره أقسى ما يمكن أن يفعله سيف المفتي الديني
والدنيوي، طبعًا لم يحدث، ولم يحدث في أي وقت، أن هدم النَّاس السور، وإنما كان
يلجأ الى ذلك حكام البلاد الذين لم يكن لهم علاقة بناس البلاد. فقط يرون فيهم،
مستودعا للحروب، والضرائب.
المعظم عيسى، الحاكم
الأيوبي، واحد من الحكام الذين هدموا السور، وحكايته رويت مرارا، ومن بينها ما
رواه ابن تغري:
"وفيها (أعني
سنة ستة عشرة وستمائة) أخرب الملك المعظم عيسى صاحب دمشق القدس، لانه كان توجه الى
اخيه الملك الكامل صاحب الترجمة في نَوْبة دمياط للمرة الأولى، فبلغه ان الفرنج
على عزم أخذ القدس، فاتفق الأمراء على خرابه؛ وقالوا: لقد خلا الشام من العساكر،
فلو أخذ الفرنج القدس حموا على الشام حميعه. وكان بالقدس أخوه العزيز عثمان، وعز
الدين أيبك أستادار، فكتب اليهما المعظم بخرابه، فتوقفا وقالا: نحن نحفظه، فكتب
اليهما المعظم ثانيا: لو أخذوه لقتلوا كل من فيه وحكموا على الشام وبلاد الشام،
فألجت الضرورة الى خرابه. فشرعوا في خراب السور أول يوم من المحرم، ووقع في البلد
ضجة عظيمة. وخرج النساء المخدرات والبنات والشيوخ وغيرهم الى الصخرة والأقصى
وقطعوا شعورهم ومزقوا ثيابهم، وفعلوا أشياء من هذه الفعال؛ ثم خرجوا هاربين وتركوا
أموالهم وأهاليهم، وما شكوا ان الفرنج تُصَبِّحهم، وامتلأت بهم الطرقات؛ فتوجه
بعضهم إلى مصر، وبعضهم الى الكرك، وبعضهم الى دمشق، وكانت البنات المخدّرات يمزقن
ثيابهن ويربطنها على أرجلهن من الحفا؛ ومات خَلْق كثير من الجوع والعطشو ونهبت
الأموال التي كانت بالقدس، وبلغ ثمن قنطار الزيت عشرة دراهم، والرطل النُّحَاس نصف
دِرهم؛ وذم الناس المعظَّم؛ فقال بعض أهل العلم في ذلك:
في رَجَبٍ حلَّلَ
الحُمَيّا وأخرب القدس في المحرَّمْ
وقال القاضي مجد
الدين محمد بن عبد الله الحنفِيّ قاضي الطُّور في خراب القدس:
مررتُ على القدس
مُسَلِّماً على ما تبقَّى من رُبوعٍ كأنْجُمِ
ففاضت دموعُ العَيْنِ
صَبَابَةً على ما مضى من عصرنا المتقدّمِ
وقد رام عِلْجٌ أن
يعفّي رسومه وشمَّر عن كفَّي لئيم
مُذَمذَمِ
فقلت له شُلَّت
يمينُك خَلِّها لمعتَبِرٍ أو سائلٍ أو
مسلِّمِ
فلو كان يُفدى
بالنفوس فديتُه بنفسي وهذا الظنّ في
كلِّ مسلمِ"
**
الصورة: موسم النبي
موسى/عدسة حنا صفية.