السبت، 31 مايو 2008
الجمعة، 30 مايو 2008
رونالد كوهين، الدور الغامض
سيبدو الأمر للوهلة الأولى غريبا بعض الشيء، كيف يمكن لرجل يقف على رأس شركة رأسمالها 35 مليار دولار، أن يحد الوقت ليمضي أياما طويلة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية لأهداف معلنة ولكنها تبقى مبهمة، وتفتح المجال على أسئلة كثيرة؟ ولكن هذا هو حال الثري البريطاني اليهودي رونالد كوهين، الذي ظهر في الاحتفالات الصاخبة التي نظمتها إسرائيل في الذكرى الستين لتأسيسها، مطلقا تصريحات علنية لشبكات التلفزة، حول ابتهاجه بالمناسبة، وبنجاح المشروع الإسرائيلي، وبعد أيام كان كوهين متحدثا رئيسا، إلى جانب شخصيات عالمية مرموقة في افتتاح مؤتمر فلسطين للاستثمار، الذي عقد على مدى ثلاثة أيام في مدينة بيت لحم.
ومنذ نحو أربع سنوات، ينشط كوهين فيما يخص الصراع العربي-الإسرائيلي، وتعاظم دوره، خصوصا في الشان الداخلي الفلسطيني خلال العام الأخير، بشكل يتجاوز كثيرا صفته كرجل أعمال. فكيف قطع رونالد كل هذه المسافة من بدايته المتواضعة في بريطانيا، ليصبح أحد أثرياء العالم، وواحد من ابرز المؤثرين في السياسة البريطانية، وصولا إلى ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟
لا ينس رونالد كوهين أبدا، مكان نشاته، ودائما ما يذكره، سواء إذا كان بين أصدقاء عرب أو يهود، فهو ابن لعائلة يهودية من حلب، ولد في القاهرة، وعندما كان عمره 11 عاما، غادر مصر، بسبب ما يصفها سياسة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر ضد الأجانب واليهود. ويحلو لكوهين أن يكرر كيف أن عائلته وجدت نفسها فجأة معلقة في الهواء، لا تملك سوى عشر جنيهات مصرية، ولم ينقذها إلا حمل أمه سونيا، لجواز سفر بريطاني، سهل دخول العائلة إلى بريطانيا، وليبدأ من موطنه الجديد رحلة عصامية أوصلته فيما بعد ليكون أحد ابرز المؤثرين في السياسة البريطانية.
ويرسم كوهين صورة، شديدة التأثير عن ذلك الطفل الذي كانه، وطرد مع عائلته، عقب أزمة السويس، وهو يحمل بين يديه البوم الطوابع الذي كان يعني له الكثير ويعتبره "كنز طفولته". وقد لا تتوفر معلومات كثيرة عن تفاصيل حياة كوهين، التي حولته من طفل معدم أو لاجيء، حسب تعبيره، إلى رجل الأعمال الذي تتناثر المليارات بين يديه، وان كان يعزوها إلى عصاميته.
ومما كشفه كوهين نفسه، انه وصل بريطانيا، ولم يكن يتحدث الإنجليزية، بل الفرنسية والعربية، وبسبب بروزه في لمدرسة وذكائه، التحق بجامعة أكسفورد، وتابع دراسته، في كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد. وفي وقت لاحق وضع كوهين كتابا اسماه (الارتداد الثاني للكرة: تحويل المخاطر إلى فرص) تحدث فيه، مستوحيا بعض مما يحدث في عالم الكرة، عن كيفية صنع راس المال في عالم التجارة، والأسواق المالية.
ويشبه، كوهين رجال الأعمال الناجحين، بالرياضيين المميزين، الذين يعرفون، اين سيكون الارتداد الثاني للكرة، وبالنسبة لرجال الأعمال، فان هذا الارتداد الثاني ما هو إلا الفرصة الثانية، التي يجب على الواحد منهم اقتناصها، حتى وان اكتنف ذلك الكثير من المغامرة. وما نعرفه الان عن كوهين، هو مكانته كقيادي في مؤسسات اليهود البريطانيين، وكونه جزءا من اللوبي اليهودي المؤثر في سياسة حزب العمال البريطاني، وكأحد ابرز الشخصيات اليهودية في بريطانيا، والذي يرتبط برئيس الوزراء البريطاني غوردن براون بأوثق الصلات، وبصفته رجل الأعمال الذي تتوزع نشاطاته إلى نحو 350 مشروعا في مختلف المجالات التي قد تخطر على البال.
وكوهين متزوج من شارون هاريل، وهي زوجته الثالثة، وقد لا يكون ذلك مهما، بمقدار معرفة هويتها فهي إبنة يوسي هاريل، أحد رموز الحركة الصهيونية، والعضو البارز في العصابات الصهيونية التي نشطت قبل تأسيس إسرائيل. وفي الأدبيات الصهيونية، يحتل هاريل مكانة مهمة بصفته، من قاد سفينة (إكزودوس) التي كانت تحمل يهودا نجوا من المحرقة النازية (الهلوكوست)، ووصل بها إلى فلسطين.
ولم تكن قيادته لهذه السفينة، التي تحولت إلى رمز في كثير من الأعمال الأدبية والفنية والتاريخية الإسرائيلية، إلا جزء من جهوده خلال الحرب العالمية الثانية، في نقل نحو 30 ألف يهودي من أوروبا إلى فلسطين، ويمنح بعض من أرخوا لسيرة هاريل، له الكثير من الفضل في تأسيس إسرائيل، معتبرين قيادته للسفينة إكزودوس، بنجاح إلى ميناء حيفا، من مارسيليا وعلى متنها آلاف اليهود بمثابة ولادة للدولة العبرية.
وهاريل أيضا من شخصيات جهاز الموساد الإسرائيلي الشهيرة، ولعب أدوارا أخرى بعد تأسيس دولة إسرائيل، وعاش تسعين عاما، وتوفي في شهر نيسان (أبريل) الماضي. ويحمل كوهين لقب السير، وتأثيره لدى قمة الهرم السياسي في بريطانيا معروف إلى حد بعيد، خصوصا داخل بريطانيا، وهو أحد الممولين الكبار لحزب العمال، وفي عام 2004 جاء في المرتبة الرابعة في قائمة الداعمين الكبار لهذا الحزب، وفي العام التالي 2005، وضع كوهين كل ثقله خلف غوردون بروان، واصبح الممول لحملته من اجل الوصول إلى زعامة الحزب، وهو ما حدث، واصبح براون الان رئيسا للوزراء، لذا فليس من المستغرب أن يظهر اسم كوهين في كثير من التحليلات الصحافية بصفته أحد المؤثرين البارزين على براون، الذي يحظى برضى من أصحاب القرار في إسرائيل وكذلك من المجموعات اليهودية في المملكة المتحدة.
وعندما عين براون، سيمون ماك دونالد، سفير بريطانيا السابق لدى تل أبيب، الذي يعتبر صديقا لإسرائيل، وفقا للقاموس الإسرائيلي-اليهودي، كمستشار له للشؤون الخارجية، اتجهت الأنظار إلى كوهين، بصفته عراب هذا التعيين وتعيينات أخرى عززت مكانة الشخصيات اليهودية في مراكز صنع القرار والمستشارين حول براون.
واحتفى لوبي (أصدقاء إسرائيل) في حزب العمال البريطاني، والمجموعات اليهودية في بريطانيا، وأصحاب القرار في إسرائيل، بوصول براون إلى السلطة، وزاد ذلك من مكانة كوهين، الذي لم ينجح فقط في ما يتعلق ببراون، ولكن أيضا بصديقه توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، الذي اصبح، مبعوثا للجنة الرباعية في الشرق الأوسط، وبدا أن بلير الذي قبل ما اعتبر منصبا متواضعا، مقارنة بمنصب رئاسة وزراء بريطانيا، يتابع مهمة سياسية، رسمها له السير رونالد كوهين.
وهذه المهمة يعتبرها كوهين تستهدف دعم فريق الاعتدال في السلطة الفلسطينية، بقيادة رئيسها محمود عباس (أبو مازن)، ورئيس وزرائه سلام فياض، في حين ينظر إليها مراقبون هنا أنها تهدف إلى زيادة عمر الاحتلال، وتحول القضية الفلسطينية إلى أزمة يتم إدارتها بمسكنات، ويطلع بذلك الان، بنجاح منقطع النظير، رجال مثل بلير.
وكما لو أن دور كوهين في السياسة الداخلية البريطانية، لم يعد كافيا له، فخطا خطوة علنية كبيرة إلى الخارج، قبل أربعة أعوام عندما أعلن تشكيل مؤسسة (بورتلاند ترست)، كمؤسسة غير ربحية، تهدف إلى تعزيز المسيرة السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عبر الاقتصاد، وهو ما قال كوهين بأنه يؤمن به كثيرا.
ودور هذه المؤسسة، ليس متواضعا، كما قد يبدو للوهلة الأولى، فهي تمكنت من إبرام شراكات واسعة، مع مؤسسات وشركات ودول مثل الاتحاد الأوروبي، والحكومة البريطانية، ومؤسسات عالمية مرموقة ومؤثرة مثل البنك الدولي. وفيما بدا ن كوهين ومؤسسته يعملان ضمن منظومة اكبر ذات رؤية اشمل، أطلق غوردون براون تصريحا خلال حفل عشاء ضم أعضاء البرلمان البريطاني من اليهود، أعرب فيه عن استعداد حكومته للتعاون مع بورتلاند، لإطلاق ما اسماها خريطة طريق سياسية وخريطة طريق اقتصادية.
ولم يتوقف كثيرون لتصريح براون، ليدركوا الدور الذي يلعبه كوهين، في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، وان كان هذا الدور لا يغضب إسرائيل، بل يأتي لمصلحتها، وإطالة عمر احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة، وجعله مقبولا للعالم وللفلسطينيين أنفسهم، لكن ما يقلق هو دور كوهين في صناعة القرار الفلسطيني. وعندما انتقل كوهين من القدس، بعد مشاركته في احتفالات تأسيس دولة إسرائيل، إلى مدينة بيت لحم للمشاركة في مؤتمر فلسطين للاستثمار، بدا كأحد ابرز نجوم المؤتمر.
وخصصت له كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، التي تولى عرافتها صديقه توني بلير، الذي لم يبخل على كوهين بإسباغ صفات عديدة جميلة عليه، مشيدا بجهوده. أما كوهين فثمن ما اسماها علاقة العمل التي جمعته منذ أربع سنوات مع الدكتور سلام فياض، ووصفها بالمثمرة، وعرض لنظريته تجاه حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني دون أن يسميه هكذا وانما اختصره بما وصفها أعمال عنف، يمكن التغلب عليها بالاقتصاد.
وقال كوهين "اعتقد بان الاقتصاد هو الذي يحقق السلام، ولنأخذ مثلا النزاع في ايرلندا الشمالية، بعد أن تحقق السلام هناك، بفضل جهود صديقي بلير، وتحسنت الظروف الاقتصادية، وانخفضت معدلات الفقر والبطالة، خف العنف". واضاف "أنا لا أقول بان الاقتصاد هو العامل الوحيد في هذا المجال، ولكنه العامل الجوهري، وأنا اعتقد بوجود فرصا استثمارية كبيرة في فلسطين، ستؤدي إلى خفض معدلات العنف".
وتحول كوهين، إلى شخص يروج للاقتصاد الفلسطيني، المدمر بفعل الاحتلال، والملحق بإسرائيل، من اجل تخفيض ما يسميها معدلات العنف.
وبدا كوهين يتحدث بحماسة بخصوص المناخ الاستثماري في فلسطين، وكأنه يتحدث عن اقتصاد دولة أخرى متقدمة مستقلة قائلا "الاقتصاد الفلسطيني مثل الزنبرك، مضغوط الان، ولكنه مستعد أن يقفز، وأنا أؤكد بأنه يستطيع أن يحقق 3 أضعاف مما هو عليه الان فقط بالإمكانيات الموجودة والمتاحة".
وتحدث كوهين عن بعض القطاعات المهمة للاستثمار في فلسطين مثل قطاع المعلومات، والقطاع السياحي، والقطاع المالي. وتطرق بالتفصيل، إلى بعض المشاريع التي يمكن أن تحقق أرباحا مثل منظومة دعم القروض، ومشاريع الإسكان لذوي الدخل المحدود، مشيرا إلى أن استثمار مليار دولار في قطاع الإسكان، سيرفع من معدل الدخل السنوي للفرد الفلسطيني بنسبة 1.5% طوال خمس سنوات.
وقال كوهين "كان والدي وأنا صغير في مصر يقول لي بان الفلسطينيين يديرون مفاصل مالية واقتصادية هامة، وأنا واثق من قدرة الفلسطينيين على المشاركة الفعالة في الاقتصاد". وتوجه كوهين إلى الدكتور فياض قائلا "لديك رؤية واضحة، أوضح من أي قائد وطني عرفته، وستنجح في تحقيق آمال شعبك".
ولم يتطرق كوهين إلى حقيقة هذه الآمال، ولم يشر ولو بكلمة واحدة إلى الاحتلال، ولم يصدقه كثيرون من حضور المؤتمر، الذين دخلوا إلى الأراضي الفلسطينية بتصاريح إسرائيلية، وتنقلوا، بصعوبة عبر الحواجز العسكرية، واجتمعوا في مكان تحيطه المستوطنات، والجدران، ولكن لا يعرف إذا كان الدكتور فياض نفسه صدق كوهين؟.
قد تكون الإجابة على ذلك في رؤية ما يجري على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، التي لم يبق منها إلا جيوبا صغيرة يعيش فيها الفلسطينيون منقطعين عن بعضهم البعض، بالإضافة إلى فصل الضفة الغربية عن غزة، ومع ذلك يوجد لديهم اكثر من حكومة، واكثر من رئيس وزراء وعدد لا يحصى من الوزراء، يتنازعون على إدارة ما يسميها الفلسطينيون سجونا.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/5/335133.htm
الخميس، 29 مايو 2008
الصحافيون ومؤتمر الاستثمار
الصحافيون غاضبون من مؤتمر الاستثمار الفلسطيني..
وخلال اجتماع لهم مع رئيس اللجنة المحلية للمؤتمر قالوا بانهم خدعوا من قبل حسن ابو لبدة الرئيس التنفيذي للمؤتمر حول حجم المشاركة الاسرائيلية فيه.
خلال اجتماعه معنا، قبل عقد المؤتمر، قال ابو لبدة انه سيشارك في المؤتمر 5 اسرائيليين، ولكن خلال ايام المؤتمر الثلاثة الامر كان مختلفا كثيرا..
كاس في صحة الزملاء..وخيرها في غيرها..
الصورة:
ح. عبد الجواد، أ.العيسة، ع.مناع خلال المؤتمر.
الأربعاء، 28 مايو 2008
مات بعد ان سلم مفتاح العودة
في الثامن من شهر أيار (مايو) الجاري، وقف الحاج محمود عبيد، في مهرجان نظم في مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين، لتدشين اكبر مفتاح في العالم، ليلقي كلمة في الذكرى الستين للنكبة، ويسلم أحفاده مفتاح منزله في القرية التي شرد منها عام 1948، ويوم أمس الأحد في الخامس والعشرين من الشهر نفسه، عاد إلى مكان لا يبعد سوى أمتار قليلة عن المكان الذي جرى فيه الاحتفال، ولكن هذه المرة محمولا على الأكتاف، ميتا، عن عمر تجاوز الـ 110 سنوات، في جنازة مهيبة، ليرقد في مقبرة قبة راحيل التي لا يفصلها سوى شارع صغير عن مخيم عايدة.
وفي المشوارين، قطع الحاج عبيد المكني بابي إبراهيم، نفس المسافة، في المرة الأولى، سار اكثر من 7 كيلو مترات من مخيم الدهيشة الذي يعيش فيه، مشيا على الاقدام، في مسيرة العودة المركزية، وهو يحمل مفتاح منزله الذي تركه في قرية بيت إعطاب، غرب القدس، إلى حيث تم وضع ما وصف بأنه اضخم مفتاح في العالم وطوله عشرة أمتار ووزنه 2 طن، وفي المشوار الثاني، قطعه محمولا، من قبل محبيه، الذين انطلقوا به من منزله في مخيم الدهيشة ليرقد رقدته الأخيرة، وسط الكثير من المشاعر الجياشة.
ومنذ سنوات تحول عبيد إلى ما يشبه الوثيقة التاريخية التي تسير على قدمين وتعبر عن مأساة شعب طالت معاناته، واصبح القاسم المشترك، في جميع النشاطات التي تنظم حول القضية الفلسطينية، وخصوصا حق العودة.
وكانت حيوية أبو إبراهيم، مثار إعجاب دائم، حيث تمتع دائما بروح شابة، وقدرة على الحكي، خصوصا عن قريته التي دمرت واقيمت عليها مستوطنات يهودية، وتحولت إلى مرفق سياحي واثري، يقصده الاسرائيليون.
ورغم انه يسكن في مخيم لا يبعد اكثر من نصف ساعة بالسيارة عن قريته، إلا أن إجراءات الاحتلال حرمته من زيارتها، أو تنفيذ حلمه بان يدفن فيها.
وبالإضافة إلى مفتاح منزله في قريته، ظل أبو إبراهيم يحتفظ بمتعلقات أخرى، تذكره بقريته، تمكن من إخراجها معه في عام 1948.
وتعرض أبو إبراهيم إلى صدمات عديدة خلال 60 عاما من رحلة اللجوء القاسية، وتعرض منزله في مخيم الدهيشة مرات كثيرة ولا تحصى لاقتحامات قوات الاحتلال الإسرائيلي، واعتقل العديد من أبنائه وأحفاده، لفترات متفاوتة في السجون الإسرائيلية، ولكن أقصى صدمة تعرض لها كانت استشهاد حفيده كفاح (10 سنوات) قبل ست سنوات برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي، قرب قبة راحيل، في المكان الذي دفن فيه الحاج أبو إبراهيم.
واخر النشاطات التي شارك فيها الحاج ابو إبراهيم كانت مسيرة العودة، حيث سار متقدما الصفوف، حاملا مفتاح منزله، الى جانب مفتاح العودة الضخم المحمول على شاحنة، وسط اهتمام من وسائل الإعلام به، وبعد الوصول إلى مكان انعقاد المهرجان وتثبيت مفتاح العودة الضخم، كان الحاج إبراهيم هو المتحدث الرئيس، الذي أوصى الجيل الجديد بالتمسك بحق العودة، وتحدث عن مدى شوقه لقريته ولكامل التراب الفلسطيني، ثم سلم مفتاحه الذي احتفظ به 60 عاما لأحفاده، بالإضافة إلى الأوراق التي تثبت ملكية الأرض.
وتوفي أبو إبراهيم، نتيجة جلطة مفاجأة، وهو في منزله، يقوم بواجب الضيافة لزواره، وسقط على الأرض فجأة وهو يسكب في كؤوسهم مشروبا غازيا.
الاثنين، 26 مايو 2008
اكتشاف محجر جديد في القدس
للمرة الثانية في اقل من عام، تعلن سلطة الآثار الإسرائيلية عن عثورها على محجر جديد، تقول إنه تم استخراج حجارته لبناء الهيكل الثاني المفترض، في القدس. واعلن اثاريو سلطة الآثار الإسرائيلية تشابها بين نوع الحجارة التي استخرجت من هذا المحجر، وتلك المبني منها الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف، الذي يطلق عليه الإسرائيليون اسم (حائط المبكى)، بينما يسميه المسلمون حائط البراق. ويكتسب هذا الحائط أهمية بالنسبة لليهود، باعتباره كما يعتقدون الحائط الوحيد الباقي من الهيكل الثاني الذي بناه هيرودس لليهود، رغم أن هذا الحائط يحوي حجارة تعود إلى عصور مختلفة من بينها العصر الأموي.
وتجري سلطات إسرائيل حفريات غير شرعية، باعتبارها سلطة محتلة، بجوار حائط البراق، استتبعت غضبا عربيا وإسلاميا قبل اكثر من عام، وتجهز ألان لإقامة جسر مؤدي إلى باب المغاربة بجوار الحائط، وهو أحد أبواب الحرم القدسي الشريف.
ووفقا لسلطة الآثار الإسرائيلية، فانه تم الكشف عن المحجر الجديد، على بعد 2 كلم من بلدة القدس القديمة، خلال حفرية إنقاذ أثرية روتينية نفذتها السلطة، تمهيدا لاعطاء ترخيص للبناء لاحد السكان.
ووجد اثاريو السلطة، بان الحجارة المستخرجة من المحجر مطابقة للحجارة الهيرودية (نسبه إلى هيرودس) في حائط البراق. وقال الدكتور جيرالد فنكيلسزتيجن، مدير التنقيب في الموقع "الجزء الأكبر من الحجارة التي وجدت في المحجر، تماثل تلك الموجودة في حائط المبكى، لذا فإننا نفترض بان هذا المحجر هو واحد من المقالع التي استخرجت منها الحجارة لبناء الهيكل". وعثر في المحجر المكتشف على حجارة أحجامها تصل إلى 0.69 x 0.94 x 1.65 مترا، متروكة في المكان، يبدو أنها كانت جاهزة للنقل، ولسبب ما بقيت في المحجر
ويعتقد فنكيلسزتيجن، بانه تم هجر المحجر خلال عامي 66-70م، في فترة التمرد اليهودي على الرومان في القدس. وهذا المحجر الثاني الذي تعلن إسرائيل عن اكتشافه خلال اقل من عام وتربطه بالهيكل المفترض، ففي شهر أيلول (سبتمبر) 2007، أعلنت سلطة الآثار الإسرائيلية، وسط ضجة إعلامية كبيرة، عن كشفها لموقع المحجر الذي استخرجت منها حجارة الهيكل.
وخلال أعمال التنقيب في مدينة القدس وحولها، تم الكشف عن عدد كبير من المحاجر، اشهرها مغارة سليمان تحت سور القدس، والتي ربطت أيضا بمسالة الهيكل. وقال البروفيسور آموس كلونير، الرئيس الأسبق لمنطقة القدس في سلطة الآثار الإسرائيلية "تم العثور على بضع العشرات من الكسارات في منطقة القدس، التي من المحتمل أن تكون استخدمت لبناء الهيكل"، معتبرا أن العثور على المحجر الجديد، أمر غير مستغرب.
وتثير مثل هذه الاكتشافات، حفيظة الفلسطينيين، لربطها بموضوع الهيكل، الذي تقول المصادر اليهودية انه يقع في مكان الحرم القدسي الشريف، وخلال أربعين عاما من الاحتلال، نفذت اسرائيل حفريات أثرية ما زالت مستمرة حتى الان، وصلت تحت قبة الصخرة والمسجد الأقصى.
وفي دول العالم، يكون أي كشف اثري جديد مدعاة للحفاوة، إلا في فلسطين، حيث يثير ذلك مخاوف سياسية. وقال الدكتور إبراهيم الفني، وهو آثاري فلسطيني متابع لما يجري في القدس "من الصعب الثقة فيما يعلنه الإسرائيليون، فما يجري هو أولا حفريات غير قانونية ومخالفة للقوانين الدولية التي تحرم التنقيبات الأثرية في أراض محتلة، وثانيا لقد تعودنا على الأكاذيب الإسرائيلية". واضاف في حديث لايلاف في منزله بمدينة رام الله "ننظر بشك كبير لكل ما يعلنه الاثاريون الإسرائيليون، لانهم يربطون ذلك بأحداث التوراة، لغايات سياسية، وليست علمية".
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/5/334111.htm
فراس السواح والحدث التوراتي
يحسب للباحث فراس السواح، الكثير، وكذلك للدكتور كمال الصليبي، ومن ذلك قدرتهما على الوصول الى جمهور واسع من القراء، وجعله يهتم بقضايا عادة لا تشكل جزء من اهتمام الراي العام العربي.
ولكن ما يحدث على صعيد دراسة المواضيع التي يتصدى لها كل من السواح والصليبي، ان الاثنين يتحدثان عن مواقع لم يزوراها، ولم ينقبا فيها، وان كان ذلك غير مهم، فلا يمكن فهم الكتابة عن مكان لم يزره الباحث، واذا تم تفهم ذلك، فان من الصعب فهم التعصب والمحاججة وعبارات الحسم التي تميز كتاباتهما.
قرات مؤخرا كتاب السواح (الحدث التوراتي والشرق الادنى القديم) وفيه يحاجج الصليبي صاحب نظرية (التوراة جاءت من جزيرة العرب).
ورغم اعجابي بداب السواح، وسعيه لاثبات بطلان نظرية الصليبي، الا انه اثار شفقتي وهو يتحدث عن الاماكن التي تم فيها التنقيب الاثاري في فلسطين، لاثبات نظريته.
لا اعتقد انه توجد اية اهمية لاية دراسة، او بحث، او حتى خبر صحافي، دون عمل ميداني دؤوب، وهو امر لم يرتقي له الباحثون العرب، ولا اظن انهم سيصلون اليه في وقت قريب.
ساشير فقط الى عبارة مستفزة وردت في كتاب السواح عن سبسطية (السامرة) يمكن للقاري ان يعجب لعبارات الحسم فيها "وقد جاءت نتائج التنقيب الاثري في موقع السامرة في اتفاق مع الرواية التوراتية، فمدينة السامرة، هي الموقع الوحيد في فلسطين الذي بني على التربة العذراء دون طبقات اثارية سابقة عليه".
لو ان السواح زار المكان، زيارة عابرة، لاكتشف كم هول الجريمة التي ارتكبها بالبعد عن العمل الميداني، والارتكاز الى سلسلة مقاربات منطقية.
الامر اكثر تعقيدا بكثير مما يطرح عادة في كتابات السواح او الصليبي، وان كان يتوجب تحيتهما على امتلاكهما كل هذه الجراة للكتابة عن اماكن لم يعرفوها الا من الخرائط، ومن حسن حظهما انهما يكتبان لجمهور غير مدقق.
الأحد، 25 مايو 2008
قديس شعبي يواجه دهاقنة السياسة والاقتصاد
حاول أهالي بلدة الخضر، التي يقع فيها قصر المؤتمرات، الذي شهد فعاليات مؤتمر فلسطين للاستثمار، لفت انتباه المشاركين لمعاناتها جراء جدار العزل الإسرائيلي، والاستيطان، باللجوء إلى رمز البلدة القديس مار جريس، المعروف باسم ( الخضر ) والذي تحمل البلدة اسمه، دون أن ينجحوا بسبب الضجة الإعلامية التي صاحبت المؤتمر، طوال أيامه الثلاثة. ووضع شبان من البلدة، يافطة كبيرة، في الطريق المؤدية إلى قصر المؤتمرات، تصور مار جريس، الذي يطلق عليه محليا ( الخضر الأخضر ) على حصانه الشهير، حاملا رمحه، ولكن بدلا من محاولته قتل التنين، وإنقاذ الأميرة الحسناء، كما في صوره الشائعة، يحاول تسديد رمحه إلى جدار العزل الذي يحيط بالبلدة.
وبدا مار جريس أو الخضر الفلسطيني، يعتمر خوذة تحمل علما فلسطينيا، بينما وضعت على اليافطة عبارة (ضد جدار القهر)، وعبارات أخرى بالإنجليزية تدعو إلى هدم وإسقاط الجدار. وتعتبر هذه محاولة فلسطينية وحيدة، لإسماع صوت المعترضين على مجريات المؤتمر، الذي يحظى بدعم كبير من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، لأسباب يعتقد بأنها سياسية. ومار جريس، او الخضر، هو القديس الشعبي الاكثر شهرة، بالنسبة لاهالي بيت لحم، وعادة ما توضع صوره منقوشة على الحجارة في مداخل منازل المدينة.
ويقع قصر المؤتمرات الذي عقدت فيه جلسات المؤتمر، وسط ترتيبات أمنية مشددة، قرب ثلاث برك ضخمة تدعى برك سليمان، كانت تستخدم لتخزين المياه من اجل تزويد مدينة القدس بالمياه، ضمن نظام استمر في العمل حتى عام 1948. وتعرض القصر، وهو مشروع استثماري أقيم بعد اتفاق أوسلو، إلى القصف الإسرائيلي خلال الانتفاضة الفلسطينية، وعلى بعد أمتار منه تجري أعمال بناء مقاطع من الجدار العازل، بينما يسعى المستوطنون إلى إقامة مزيد من البؤر الاستيطانية، إضافة إلى اكثر من سبعة مستوطنات كبيرة تحيط بالبلدة، تعتبرها إسرائيل جزء من حدود القدس.
وغالبية أراضي بلدة الخضر، تقع عليها مستوطنات، بعضها تحول إلى مدن استيطانية يهودية كبرى مثل (افرات) و(غوش عتصيون). ويعيش الأهالي محاصرين في بقعة صغيرة، في مرمى الأبراج العسكرية الإسرائيلية، وخلال انتفاضة الأقصى، تحولت إلى إحدى نقاط التماس الساخنة بين الفلسطينيين، وجنود الاحتلال، مما أدى إلى استشهاد العديد من الفتيان.
وفي بداية شهر أيار (مايو) الجاري، تم إحياء ما يسمى عيد الخضر، لمدة يومين، في المقام الذي يحمل اسم مار جريس في البلدة، وهو عيد يشارك فيه مسلمون ومسيحيون، وتوقف خلال الانتفاضة الأخيرة، وعاد له الاهتمام خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وبدلا من توجيه المزيد من اللوم للإسرائيليين، الذين يحتلون الأرض الفلسطينية، من قبل المتحدثين في المؤتمر الاقتصادي، نال الإسرائيليون الكثير من الإشادة لسماحهم لمستثمرين من الخارج بدخول الأراضي الفلسطينية، ومن بين الذين أشادوا بذلك الدكتور سلام فياض، رئيس الوزراء الفلسطيني الذي يعتبر عراب المؤتمر.
وقال فياض بأنه يثمن ما اسماه التعاون الذي قدمه الإسرائيليون، من اجل إنجاح المؤتمر معبرا عن أمانيه بان يشمل ذلك مجالات أخرى في المستقبل.
وتجنب فياض الإشارة إلى الاستيطان الإسرائيلي الذي ينظر إليه الفلسطينيون بأنه يشكل الخطر الأكبر على أرضهم، في حين رفض مثلما فعل غيره من القائمين على المؤتمر تقديم معلومات عن عدد الذين رفضت إسرائيل دخولهم للأراضي الفلسطينية من اجل حضور المؤتمر، أو عن حجم المشاركة الإسرائيلية فيه.
وشوهد في اليوم الثاني للمؤتمر، افرام سنيه، نائب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، وقطب حزب العمل، وهو يتجول في ردهات المؤتمر، بحثا عن ضيوف عرب، حيث عرف عن سنيه اطلاعه بدور العراب، في مشاريع كان طرفاها إسرائيليين ورجال أعمال عرب. ونال برنار كونشير، وزير خارجة فرنسا، الكثير من التصفيق، لتوجيهه انتقادات لإسرائيل خلال المؤتمر، وحثها على تتقديم تسهيلات للفلسطينيين، خصوصا في مجال التنقل داخل وطنهم.
وانتقد فلسطينيون المبالغ التي لم يعلن عنها والتي صرفت على المؤتمر، والتي يعتقد أنها كبيرة، عرف منها على الأقل نصف مليون دولار صرفت على ترميم وتزيين الشارع الرئيس المؤدي إلى قاعة المؤتمر. وقال فلسطيني يعمل في ورشة حدادة تقع قرب مكان عقد المؤتمر "لو تم صرف هذه المبالغ لإيجاد فرص عمل لكان الأمر افضل، لأننا نعرف، بان ما سمعناه عن رخاء اقتصادي سيبقى مجرد كلام في كلام، ما دام الاحتلال موجودا".
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/5/333618.htm
الثلاثاء، 20 مايو 2008
المجهول في هجرة يهود اليمن إلى فلسطين
قليلون من المتابعين لقضايا الهجرات اليهودية إلى فلسطين، يعلمون بأنه خلال الحرب العالمية الثانية، تم تهجير 4267 من يهود اليمن إلى فلسطين، وهو ما كشفت عنه صحيفة يديعوت احرنوت، في حين أن المعلومات السائدة لدى الباحثين حول هجرة اليهود اليمنيين، تتعلق بعملية تهجير نفذتها المؤسسات الصهيونية في وقت لاحق، والحديث عن عملية ( على أجنحة النسر ) التي نفذت ما بين عامي 1949-1950، والتي تم بموجبها نقل أعداد كبيرة من اليهود اليمنيين إلى دولة إسرائيل الحديثة الولادة آنذاك. وما كشفت عنه الصحيفة العبرية، في الذكرى الستين للنكبة، يتعلق، بنقل 4267 من يهود اليمن، إلى فلسطين خلال عامي 1943-1944، وهو الأمر الذي بقي مجهولا، على الأقل بالنسبة للروايات المتداولة بشان هجرة يهود اليمن إلى فلسطين.
وتعتبر هذه العملية مثالا نموذجيا، لما حدث بعدها من عمليات تهجير لليهود العرب من بلدانهم الى فلسطين، ففيها يظهر الاصرار والرغبة والقدر لدى المؤسسات الصهيونية، والتعاون من جهات وقوى دولية، وتواطيء غير مفهوم من السلطات العربية الحاكمة. واضطلع بمهمة تهجير اليهود اليمنيين، الوكالة اليهودية، وغيرها من مؤسسات، عملت خلال فترة الحرب العالمية الثانية، على تهجير اكير عدد من يهود العالم إلى فلسطين،
واستغلت المؤسسات الصهيونية، ما تصفه يديعوت احرنوت، بالظروف الصعبة التي كانت تعيشها اليمن آنذاك، مثل ما تقول انه الجوع والشدة، والجفاف، من اجل إقناع إمام اليمن بالتعاون بتسهيل هجرة مواطنيه اليهود، وبدأت بنقل أفواج منهم، من الشمال إلى عدن التي كانت مستعمرة بريطانية. وتم تجميع اليهود في معسكر صحراوي قرب قرية (فايوش)، وبني أيضا لهم معسكرا آخر، يبعد 3 كيلو متر، بجوار معسكر للسجناء أقيم في أثناء الحرب في قرية (ميحازبين).
وادار معسكري فيوش وميحازبين، طواقم بريطانية، بإشراف من الحكومة البريطانية في مستعمرة عدن، وفي وقت لاحق، تم إرسال طبيب وثلاث ممرضات يهود من فلسطين، للعمل على التخفيف مما اسماها تقرير يديعوت، الظروف القاسية التي عاشها اليهود اليمنيين في المعسكرين. وتم الاستعانة بشلومو يفيت، المولود في عدن عام 1921، والذي كان في عام 1943، مدرسا للطائفة اليهودية في المدينة التي ولد فيها، من اجل المساعدة في تقديم الدعم لليهود في المعسكرين، واصبح يفيت جزءا من طاقم المعسكر مسؤولا عن مخازن الأغذية.
وتم بناء مختبر وعيادة، لتقديم العلاج لليهود في المعسكرين، الذين كانوا يعانون من سوء التغذية والأمراض، وتولى الإشراف الطبي الدكتور ديفيد المان، والممرضتان تزبورا فريدمان، وراشيل ماشات. وفي عام 1944، بدأت المؤسسات الصهيونية، بمساعدة البريطانيين، بنقل اليهود في المخيمين إلى فلسطين، في رحلة طويلة، بحرا وبرا، عبر السودان، السويس، عين موسى، سيناء، وفي النهاية، إلى مخيم (شار هاليه) قرب حيفا.
وبهذه الطريقة تم نقل 4267 يهوديا ويهودية من اليمن، إلى فلسطين، التي كانت تغلي آنذاك، ويستعد كل من الفلسطينيين، والمنظمات الصهيونية، لما بعد انتهاء الانتداب البريطاني. وسارت الأمور في فلسطين، كما هو معروف، وتشرد الشعب الفلسطيني، وفقد القسم الأكبر من أرضه التي اصبحت يسمى إسرائيل، واصبح اليهودي اليمني شلومو يفيت عضوا في قوات الجيش الإسرائيلي، بعد أن تطوع لدى وصوله إلى البلاد قبل إنشاء إسرائيل، في المنظمة العسكرية الوطنية الصهيونية.
وفي عام 1950، طلب شلومو، من ممثلي الجماعات اليهودية الأميركية، المساعدة في العودة إلى عدن، من اجل جلب آلاف من اليهود الذين تبقوا هناك، ونجح في مسعاه، وعاد إلى مسقط رأسه، كمندوب للجماعات الصهيونية، مسلحا بخبرته السابقة في تهجير اليهود في عام 1944. وساهم شلومو، في عملية التهجير الجديدة، واكثر من هذا وثقها بالصور، التي نشرتها صحيفة يديعوت للمرة الأولى، وفيها تسجيل ليوميات اليهود اليمنيين، والأطباء والممرضات، والعاملين في مختلف المرافق، في مخيمات الترحيل، عن الوطن الام اليمن، إلى وطن آخر جديد، ظهر حديثا على الخريطة اسمه إسرائيل.
وطلبت الصحيفة الأكثر انتشارا في إسرائيل، وهي تنشر الصور بمناسبة الذكرى الستين لإنشاء إسرائيل، من الجمهور تزويدها بأسماء أصحاب الصور إذا تعرفوا على أي واحد منهم. وما كشفت عنه الصحيفة العبرية، يضاف إلى ملف شديد المأساوية في تاريخ العرب المعاصر، ويظهر فيه لاعبون من الحركة الصهيونية، والاحتلال البريطاني، وربما الأخطر دور السلطة اليمنية في ذلك الوقت، في ظل غياب أية وثائق أو رواية عربية موازية، عن ما حدث في تلك السنوات الفارقة، والتي ما زالت مفاعيلها مستمرة حتى الان، وبشكل يصفه البعض بالكارثي.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/5/332027.htm
الأحد، 18 مايو 2008
حكايات مصرية على أرض فلسطين
على ارض فلسطين سجل المتطوعون والجنود المصريون في حرب عام 1948 بطولات ما زالت تعيش في الوجدان الشعبي، رغم مرور السنوات وهول الكارثة التي نتجت عن تلك الحرب.
ومن هؤلاء البكباشي جمال عبد الناصر، وهو غني عن التعريف، واحمد عبد العزيز قائد المتطوعين الذي خاض معاركا هاما على مشارف القدس وقتل خطأ أثناء توجهه إلى عراق المنشية برصاص العريف بكر الصعيدي.
وحكاية الجيش المصري في فلسطين بدأت عندما دخل هذا الجيش رسميا فلسطين في أيار (مايو) 1948م، ودخلت مفارز خفيفة منه إلى مدن: الخليل، وبيت لحم، وبيت صفافا، وبيت جالا بتاريخ 20/5/1948م، وكانت هذه المفارز تضم عددا من الجنود ونصف كتيبة من المجاهدين بقيادة الضابط احمد عبد العزيز ويساعده، في ذلك: اليوزباشي كمال الدين حسين، واليوزباشي عبد العزيز حماد.
وكانت هذه القوات، كما ذكر الضابط الأردني عبد الله التل، قائد معركة القدس وقتذاك في مذكراته، مزودة بالأسلحة الخفيفة كالبنادق والرشاشات وعدد قليل من المدافع القوسية ومدافع من عيار رطلين تحملها سيارات عادية غير مصفحة.
وبالنسبة لأحمد عبد العزيز فانه كان يعلم، أن قرار بعض الحكومات العربية إرسال جيوشها إلى فلسطين لم يكن المقصود منه الدفاع عنها، إنما "لذر الرماد في العيون" كما يقولون، لذا كان يعلم أيضا أن التحدي الذي ينتظره هو وفرقته الصغيرة: كيف يدافعون فعلا عن الحق العربي؟
وما أن وصل احمد عبد العزيز إلى بيت لحم، حتى بدا باستكشاف الخطوط الدفاعية لعدوه المتمثل في العصابات الصهيونية، التي تمتد من (تل بيوت) و(رمات راحيل) في الجهة الشرقية الجنوبية للقدس، حتى مستعمرات (بيت هكيرم) و(شخونات هبوعاليم) و(بيت فيجان) و(يفنوف) ونشر قواته مقابلها.
ووضع عبد الله التل القوات الأردنية في كل المنطقة تحت تصرف احمد عبد العزيز، لإيمانه بـ "وطنيته وإخلاصه".
وبدأ احمد عبد العزيز بشن هجوماته التي وصفت بالبطولية ومنها معركة مستعمرة (رمات راحيل)، وكانت هذه المستعمرة تشكل خطورة نظرا لموقعها الاستراتيجي الهام على قرية صور باهر وطريق القدس-بيت لحم، لذا قرر احمد عبد العزيز احتلال المستعمرة وقاد هجوما عليها يوم الاثنين 24/5/1948م بمشاركة عدد من الجنود والضباط والمتطوعين الأردنيين.
بدأ الهجوم بقصف المدافع المصرية للمستعمرة، بعدها زحف المشاة يتقدمهم حاملو الألغام الذين دمروا اغلب الأهداف المحددة لهم، ولم يبق إلا منزل واحد احتمى فيه سكان المستعمرة.
وحين انتشر خبر انتصار احمد عبد العزيز، بدأ السكان العرب يفدون إلى منطقة القتال لجني الغنائم، وانتقلت العدوى للمقاتلين، وذهبت جهود احمد عبد العزيز في إقناع الجنود بمواصلة المعركة واحتلال المستعمرة أدراج الرياح، وأصبح هدف الجميع إرسال الغنائم إلى المؤخرة.
ووجد احمد عبد العزيز نفسه في الميدان وحيدا إلا من بعض مساعديه، كما حدث للنبي العربي، في عصر قديم حين تخلى عنه صحبه في معركة (أحد)، وكما تغيرت نتيجة المعركة التي قادها النبي العربي، وصلت التعزيزات لمستعمرة رمات راحيل وقادت العصابات الصهيونية هجوما في الليل على احمد عبد العزيز وصحبه الذين بقوا، وكان النصر فيه حليف الصهاينة، وكان على العرب الوقوع في نفس الحفرة، على الأقل، مرتين..!
ويذكر عبد الله التل باعتزاز، مواقف احمد عبد العزيز البطولية الكثيرة وتعاونه معه، ولم يمهل القدر احمد عبد العزيز، ليرى ما حدث لفلسطين، فعندما كان في طريقه بصحبة اليوزباشي صلاح سالم (أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة في مصر فيما بعد) إلى القيادة المصرية في المجدل ليلة 22/8/1948م، ووصل بالقرب من مواقع الجيش المصري في الفالوجة، أطلق أحد الحراس، وهو العريف بكر الصعيدي، النار على سيارة الجيب التي كان يستقلها احمد عبد العزيز، بعد اشتباهه في أمرها، فأصابت الرصاصة صدر "البطل احمد عبد العزيز" كما يوصف، والذي ما لبث أن قتل.
ويقول عبد الله التل في مذكراته "بوفاته خسر الجيش المصري، لا بل الجيوش العربية قائدا من خيرة قادتها".
ويورد التل نص برقية أرسلت إليه من اليوزباشي كمال الدين حسين، باسم الجنود والضباط المصريين، يشكره فيها على مواساتهم باستشهاد قائدهم، ويعده بالسير على درب البطل الشهيد، ويعلق التل على ذلك "وقد بر الضباط المصريون بوعدهم وساروا في الطريق الذي رسمه احمد عبد العزيز، وإذا كانت مؤامرات السياسة في قضية فلسطين قد حالت دون تحقيق أهداف الضباط والجنود الأبرياء فليس الذنب ذنبهم".
وفي كتابه (العروش والجيوش) الذي عرض فيه، محمد حسنين هيكل، ليوميات حرب عام 1948م، تظهر الكثير من صور بطولات احمد عبد العزيز والمتطوعين.
ويكتب هيكل عن منع وزارة الحربية المصرية لأي صحافي مصري من التواجد في مناطق عمل القوات المصرية، وتصميمها على أن تحصل الصحافة المصرية على ما تحتاجه من معلومات من إدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة.
ويذكر انه تمكن ومصور صحيفة (أخبار اليوم) من الوصول إلى قوات احمد عبد العزيز في بيت لحم والخليل مشيا على الأقدام عن طريق القدس، وكيف أن الرقابة العسكرية حذفت كل كلمة وكل صورة، وتم رفع الموضوع إلى وزير الحربية محمد حيدر باشا، الذي وافق في النهاية على نشر خمس صور "كانت بينها الصورة الشهيرة لأحمد عبد العزيز، وكانت تلك الصورة هي المرة الأولى التي رأى فيها الناس وعرفوا شيئا عن الرجل الذي أطلقوا عليه وصف "البطل"، ولولا أذن الفريق حيدر باشا لما عرف الناس شيئا على الإطلاق عن احمد عبد العزيز، لان الرجل ما لبث أن قتل برصاصة مصرية طائشة أطلقها جندي مصري في موقع على طريق بيت جبرين قبل أن تتاح له الفرصة للعودة للقاهرة".
وفي مكان أخر كتب هيكل "كان احمد عبد العزيز قد قتل في عملية طائشة إذ أراد أن يبحث الموقف حول القدس مع قيادته في المجدل، ولم تكن علاقة احمد عبد العزيز مع القائد العام في المجدل وهو اللواء محمد احمد المواوي جيدة. فمن ناحية كان احمد عبد العزيز يعتبر قائده العام تقليديا أكثر مما يجب، وفي الوقت نفسه فان اللواء المواوي كان يعتبر احمد عبد العزيز مغامرا اكثر مما يجب، وبعد استشهاد احمد عبد العزيز، فقد عين على راس قوة المتطوعين بدلا منه ضابط أخر هو القائمقام عبد الجواد طبالة".
وأشار إلى انه "من سوء الحظ أن هذا الرجل لم يعد إلى الوطن فقد استشهد بعد شهرين من بدء القتال، وكان محتملا لو انه عاش أن تكون لحياته قصة أكثر إثارة من قصة بطل مصري استشهد خطأ برصاص مصري".
وعندما استشهد احمد عبد العزيز بتلك الطريقة المفجعة كانت قرية عراق المنشية تخوض معاركا ضد العصابات الصهيونية توسعت فيما بعد إلى الفالوجة، وما زال البعض ممن عاش تلك الفترة يذكرون دبيب أقدام أولئك المقاتلين سواء كانوا من المتطوعين أو من الجيش النظامي المصري.
ونسجت هالات أسطورية على بعض هؤلاء مثل اللواء سيد طه وهو صعيدي من أسوان عرف عنه صلابته ومشاعره العروبية الدافقة وكان يلقب بالضبع الأسود أو ضبع الفالوجة.
كان اللواء طه قائدا لكتيبة المشاة المصرية السادسة المرابطة في عراق المنشية وبإمرته أيضا كتيبتين مرابطتين في الفالوجة على بعد 3 كيلو مترات عن عراق المنشية، وكان من بين ضباطه جمال عبد الناصر والصاغ يوسف السباعي الأديب الرومانسي المعروف فيما بعد.
خاض سيد طه مع جنوده معركة الدفاع عن عراق المنشية مع أهلها وكان لبعضهم مثل المختار خالد الطيطي تأثيرا على الضباط المصريين حتى أن جمال عبد الناصر أسمى ابنه البكر فيما بعد على اسم المختار خالد الطيطي الذي ربطته صداقة عميقة مستمرة مع عبد الناصر الذي أصبح فيما بعد ما أصبح.
وخلال معركة عراق المنشية خاض سيد طه معركة شرسة مع العصابات الصهيونية وأيضا دخل في مفاوضات، وكان من نتيجتها سحب قوات له من عراق المنشية لتعزيز قواته في الفالوجة، وعندما بدأت قوات سيد طه بالانسحاب تدفق المستوطنون اليهود وأفراد العصابات الصهيونية مبتهجين على المواقع التي أخلاها رجال طه، دون أن يدروا ما كان يخبئه لهم طه، الذي أمر رجاله بفتح أسلحتهم تجاه أفراد العصابات تلك الذين سقط منهم الكثيرون، وكان ذلك سببا في إطلاق لقب الضبع الأسود على طه من قبل قائد في تلك العصابات سيكون له شان فيما بعد وهو اسحق رابين، وهذا حسب إحدى الروايات عن سبب تسميته بهذا الاسم الذي لصق به حتى أن الأديب الشهير عباس محمود العقاد نظم قصيدة في مواطنه سيد طه بدأها بالقول "أقام بها الضبع الأسود..".
وربما تكون معركة عراق المنشية اقل شهرة في الأدبيات التي أرخت لتلك الحرب ودور المصريين فيها وكان التركيز على قرية الفالوجة التي حوصر فيها الضبع الأسود مع رفاقه، وخاض معاركا شرسة رغم اختلال توازن القوى وخذلان السياسة للرجال، فبعد حصار ومقاومة القرية ضاع كل شيء بعد اتفاقيات الهدنة، وتسليم القرية وتهجير العصابات الصهيونية لسكانها.
وكتب كثيرون عن معركة الفالوجة تلك خصوصا لأنها ارتبطت باسم أصبح مشهورا فيما بعد وهو جمال عبد الناصر وتوارى مشهد سيد طه في الاعلام والكتب والدراسات لسبب بسيط أن الأضواء كانت مسلطة، وهذا طبيعي، بقوة على عبد الناصر الذي ملا المسرح المحلي والإقليمي والدولي بحضوره الطاغي.
أما الوجدان الشعبي فبقي به مكانا لسيد طه، وجاء شاعر شعبي من قرية الفالوجة نفسها هو عبد العزيز كتكت وكتب قصيدة شعبية عن ذلك البطل جاء فيها:
محمود طه حماة الدار
ياما ذبح من الكفار
بالقنبلة وقيزان النار
ولما صاروا مكومين
ولا بد من الإشارة إلى أن قيمة هذه الأزجال، التي نشرنا المقطع الاول منها، هو في أدائها، وتلحينها البدائي العفوي وترديدها من قبل ناسها.
ويلاحظ فيها معانيها الكلاسيكية واستحضارها لتراث الغزوات والفزعات والموروث الديني، ويوجد في هذه الأزجال نقد ثاقب لما يمكن تسميته بالإدارة السياسية للمعارك في عام 1948 عندما يشير إلى القبول بالهدن في حين يستمر الطرف الآخر بالضرب بالطائرات وبالنار، وفي الواقع فان العصابات الصهيونية استغلت إبرام الهدنة الأولى والثانية أحسن استغلال لصالحها.
وما حدث في ذلك اليوم في الفالوجة، كان له تداعياته الكبيرة فيما بعد، حين أصبح البكباشي جمال عبد الناصر أحد المحاصرين في الفالوجة آنذاك، قائدا لإحدى أهم الثورات العربية المعاصرة بعد ذلك بعامين، وكان ما حدث معه ورفاقه في تلك القرية الفلسطينية، التي اخذت اسمها، من رجل صوفي حط فيها قادما من الفالوجة في العراق، دافعا رئيسا لكي يقرر أن المعركة قبل أن تكون مع الصهاينة يجب أن تكون هناك في الداخل مثلما قال احمد عبد العزيز لصلاح سالم عضو مجلس قيادة ثورة عبد الناصر قبل ساعات من استشهاده في فلسطين:
"النضال الحقيقي ليس هنا ميدانه، لا تنسى هذا، النضال الحقيقي ميدانه مصر بالذات".
وهذا ما حدث ولكن لم يقدر لقصة عبد الناصر، أن تبلغ نهايتها المرتجاة، لاسباب ذاتية، تتعلق بطبيعته وصحبه العسكرية، واخرى اقليمية ودولية شديدة التعقيد.
الشاعر الصغير
أمام مرآب في بلدة بيت فجار ، جنوب القدس ، يقف الطالب محمد عماد ديرية ( 8 سنوات)، بزيه المدرسي الأزرق ، ولكنه ليس لباس العمل في المرآب ، كما يمكن أن يبدو الأمر للوهلة الأولى ، وانما الزي الذي يناسب طالبا في الصف الثالث الأساسي ، حيث يدرس طلبة هذا الصف في المرآب ، المستأجر ليكون جزءا من مدرسة التحرير في البلدة ، التي يفصلها عن المرآب شارع معبد .
من هذا المكان ، الذي قد يبدو آخر مكان في العالم يمكن توقع ه، لولادة موهبة مميزة ، يبني ديرية نجومية بدأت تلاحقه سريعا بعد أن برز في المهرجانات والفعاليات كملقي لقصائد وأشعار يحفظها عن ظهر قلب .
ويقول ديرية ، إنه بدا يتفاعل مع الشعر والشعراء عندما اخذ يستمع إلى بعض القصائد ، ويشعر بان ناظميها كأنهم يتوجهون له أو يتحدونه ليحفظها ، ويضيف " عندما استمعت إلى قصيدة القدس لتميم البرغوثي، شعرت وكأنه يقول لي احفظها، فحفظتها ".
ويشير ديرية إلى انه تأثر بعمه الذي اعتقلته القوات الاسرائيلية، عندما كان عمره ثلاث سنوات، ومع ذلك يذكر ليلة الاعتقال تلك، وكأنها حدثت أمس، وينتظر خروج عمه من السجن بعد عدة سنوات.
ويعيش محمد، وحيدا، بين شقيقاته الست، في ظروف معيشية يصفها بالصعبة، ويقول إنه تلقى التشجيع من قبل والده الذي يعمل بشكل غير منتظم. وبالاضافة الى حفظه لقصائد باللغة العربية الفصحى، فانه يحفظ ايضا اشعارا باللهجة العامية، ولكنه كما يقول يفضل القصائد الفصحى، ويجد نفسه فيها اكثر من تلك المكتوبة باللهجة العامية.
وقبل أن تظهر موهبة محمد في حفظ الشعر وإلقاءه، فانه لفت انتباه معلميه لذكائه المتميز، مثلما يقول أحدهما وهو نعيم ديرية، ويشير الى ان مستوى محمد اكبر بكثير ليس فقط من مستوى باقي زملائه، ولكن أيضا من المنهاج الصفي، وكان دائما حافظا لدروسه، ومبرزا في كل المواد، وحافظا لكل القطع الشعرية والنثرية والآيات القرآنية والأحاديث، التي تستوجب الحفظ.
ويقول المربي ديرية ان "عقل محمد اكبر من عمره الحقيقي، انه تلميذ متميز بشكل لا يمكن أن تخطئه العين، ولا بد من الاهتمام به".ويشير المعلم نسيم ثوابتة، الذي يبدي اهتماما خاصا بمحمد، وهو الان بمثابة الراعي له، إلى أن الأخير، توجه إليه وطلب منه إلقاء قصيدة (القدس) خلال الإذاعة المدرية الصباحية، ويقول "لم ابد أي اهتمام، لأنني اعتقدت انه يقصد قصيدة القدس المقررة في المنهاج، والتي يحفظها كثيرون، ولكنني فوجئت عندما صعد ليلقي قصيدة القدس للشاعر تميم البرغوثي، بكل ثقة وبحركات تعبيرية، وعفوية ملفتة جدا".
ويضيف "تحوي قصيدة البرغوثي كلمات ومصطلحات ليست سهلة على طفل بعمر محمد، ولكنه لم يجد أية صعوبة في إلقائها غيبا، ودون أية أخطاء نحوية".
ويشير ثوابتة، انه منذ تلك اللحظة أدرك انه أمام موهبة استثنائية، وبدا يعطي عناية خاصة لمحمد، ويساعده على تنزيل القصائد عن الإنترنت.
ويقول المربي علي ديرية "كان محمد مفاجأة الإذاعة المدرسية عندما ألقى قصيدة القدس، ولا تفوته الان أية مناسبة وطنية أو اجتماعية إلا ويلقي فيها قصيدة، مثل يوم الأسير، أو عيد الشجرة".
أما عمته المربية يسرى ديرية، التي تعتبر أما ثانية له، فتقول، ان محمد بدا بحفظ آيات وسور قرآنية، وعمره ثلاثة أعوام، وبدا يصلي وعمره أربعة أعوام، تقليدا لوالده.وتقول ان محمد تأثر كثيرا بالشاعر الشاب تميم البرغوثي، وحفظ قصيدته عن القدس غيبا، ويأمل أن يستطيع حفظ جميع قصائد البرغوثي، وتقديمها للجيل الناشئ.
وتشير إلى أن آخر ما حفظه محمد، قصائد لمحمود درويش، ونزار قباني، ولكنه معجب بشكل خاص بتميم البرغوثي.
وتربط محمد بعمته علاقة خاصة، وتقول انه بالاضافة الى موهبته في الحفظ والالقاء، فانه يتمتع بحس نقدي عال، حيال ما يجري حوله.وترى ديرية، بأنه يجب مساعدة محمد، بنقله إلى مدرسة مناسبة، ومساعدته للحصول على جهاز حاسوب خاص به.
ويتفق علي الذويب مدير مدرسة التحرير، التي يدرس بها محمد، مع المربية يسرى ديرية، ويرى بان نقل محمد إلى بيئة مدرسية افضل، من التي يدرس بها الان، لا شك ستساعده على صقل موهبته.
ويدرس محمد في الكراج الذي لا تتجاوز مساحته 24 مترا، كواحد من 46 طالبا هم عدد طلاب صفه. وتفتقر المدرسة، كما يقول الذويب إلى قاعة للحاسوب، وقاعة للموسيقى، وأماكن للممارسة نشاطات أخرى.
وبالإضافة إلى هذا الجو المدرسي غير المريح، فان إحاطة بلدة بيت فجار، بعدة مستوطنات، وتعرضها بشكل دائم، للاقتحامات الاسرائيلية لا شك تؤثر على سكان البلدة، خصوصا الأطفال.
ويأمل محمد ديرية، أن يخطو خطوة متقدمة أخرى، وذلك بنظمه للشعر، وليس فقط الاقتصار على الحفظ والإلقاء. ويقول "اشعر بان هناك شيئا داخلي يلح علي بكتابة الشعر، وسأفعل ذلك قريبا، إنشاء الله، واتمنى أن اصبح شاعرا معروفا".
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Entertainment/2008/5/331413.htm
الجمعة، 16 مايو 2008
آبار أيوب المقدسة
في مرمى، برج عسكري إسرائيلي، نصب على جبل مرتفع يدعى (الجمجمة) يطل على بلدة حلحول، التي تقع على شارع القدس-الخليل التاريخي، توجد (عين أيوب)، التي تحمل اسم أحد الأنبياء الذي ارتبط اسمه بعدد من الينابيع والآبار والعيون، في فلسطين، والتي أسبغت عليها الكثير من القداسة في الموروث الشعبي، كما هو حال هذه العين.
وتنبع هذه العين من وسط مرتفع جبلي، وتنساب في نفق على شكل قناة مبنية من الحجارة، ومغطاة، بطول نحو عشرة أمتار، لا تظهر تضاريسها على السطح، لتصل إلى المصب، وهو عبارة عن مسطح صخري صغير، تظهر عليه نتوءات وجد المواطنون المحليون تفسيرات لها منذ زمن لا يمكن تحديده، وأولها فتحة دائرية صغيرة تتجمع فيها المياه، وهي كما يظهر عبارة عن تجويف حدث بفعل العوامل الطبيعية، ويعرف من قبل المواطنين المحلين بأنه آثار راس النبي أيوب، وأمامه نتوء صغير يُعرّف بأنه عصا النبي أيوب، وبالقرب منه، تجويف يشبه آثار قدم، يُعرّف بأنه خبطة رجل النبي أيوب.
وفي الموروث الشعبي الفلسطيني، توجد أماكن كثيرة في فلسطين، مرتبطة ببصمات للأنبياء أو الأولياء، على الصخور، مثل آثار الأيدي، والرؤوس، والأقدام وغيرها.
وتتدفق مياه العين، لتتجمع في بئر اسمنتي، يعود لأسرة من عائلة البربراوي، ومنه يتم سحب المياه، كهربائيا لري الأراضي الزراعية في المكان، التي يقدرها نهاد نبيل البربراوي، بمساحة أربعة دونمات، يتم زراعتها على مدار العام، بمنتجات مختلفة، مثل القرنبيط، والفاصوليا، والبندورة، وغيرها.
وتحظى هذه العين بشهرة، لاعتقادات تتعلق بقدرة مياهها على الشفاء من الأمراض الجلدية، مثل الصدفية، والجدري، باعتبار أنها ساهمت في شفاء النبي أيوب نفسه من أمراضه المتعددة التي تحدثت عنها القصص الدينية.
ويذكر نهاد البربراوي، بأنه يأتي إلى العين أناس من مختلف المناطق الفلسطينية، لاستغلال ما يعتقدونه من ميزات شفائية لمائها، فيغتسلون بها، وليس من النادر، رؤية بعضهم، وهو يضع غطاء على موقع العين، عادة ما يكون شادرا، لكي يتمكن المريض أو المريضة من الاستحمام بماء العين، بعيدا عن أعين المتلصصين، ومن بينهم جنود الاحتلال في البرج العسكري.
ويعتقد الطفلان محمود وفراس كرجة، بان اغتسال المريض بالجدري بماء هذه العين، لا يضمن الشفاء فقط، بل عدم الإصابة بهذا المرض إطلاقا، ويؤكدان ذلك بما حدث لأخيهما الأكبر سنا نائل، الذي شفي من الجدري بعد اغتساله بماء العين.
وتقع هذه العين، في منطقة زراعية، ولكنها تشهد نموا عمرانيا ملحوظا، وان كان ليس كبيرا، أدى إلى بناء مسجد في المنطقة عام 2000، أطلق عليه اسم مسجد النبي أيوب.
وبناء المسجد، ليس التطور الوحيد الذي حدث في المكان، فبعد إغلاق شارع القدس-الخليل، المؤدي إلى حلحول، من قبل سلطات الاحتلال، تم افتتاح طريق آخر التفافي، تبعد العين عنه نحو 50 مترا.
وبسبب الموقع الاستراتيجي لبلدة حلحول التي ترتفع نحو 1027 مترا عن سطح البحر، وهي بهذا أعلى منطقة مسكونة في الأراضي الفلسطينية سواء تلك
المحتلة عام 1948 أو المحتلة في عام 1967، تم إنشاء مستوطنة يهودية على أراضيها، عام 1984، أعطيت اسم (كرمي تسور)، ووصل عدد قاطنيها 623 مستوطنا ومستوطنة، عام 2003، وفقا لإحصاءات رسمية إسرائيلية، لكن الإجراءات الأمنية والتوسعية اكبر بكثير مما يتطلبه هذا العدد من المستوطنين، وتواصل تمدد المستوطنة عبر بؤر استيطانية، مثلما حدث في 5-2-2001، بإقامة البؤرة الاستيطانية (تسور شاليم) التي سكنتها في البداية 15 عائلة من المستوطنين اليهود، بعد مصادرة المزيد من الأراضي التي تعود ملكيتها لأهالي بلدتي بيت أمر، وحلحول.
وخلال انتفاضة الأقصى، كانت هذه المستوطنة مسرحا لإحدى العمليات الفلسطينية التي توصف بالجريئة، عندما اقتحم الشاب احمد بدوي المسالمة، الذي خطط ونفذ عدى عمليات فدائية سابقا، متنكرا بزي جندي إسرائيلي المستوطنة يوم 8-6-2002.
وتمكن المسالمة، من قتل مستوطنين وجندي واصاب آخرين، حسب المصادر الإسرائيلية، وصمد في وجه التعزيزات التي استدعيت للمستوطنة واخيرا تمكن أحد الجنود من قتله.
وشكلت هذه العملية مع عمليات أخرى إلهاما لآخرين من المجموعات الفدائية لتنفيذ عمليات وصفت بالنوعية في المستوطنات التي تحيط بالخليل.
وردا على هذه العملية، تم إقامة بؤرة استيطانية جديدة في المكان بتاريخ 10-7-2002، أسميت (كرمي تسور دروم).
وعين أيوب في حلحول، ليست إلا واحدة من ينابيع وابار عديدة، يعتقد الفلسطينيون بان النبي أيوب قد استحم فيها وشفي ومنها مثلا: حمام الشفا في القدس، وبئر أيوب في سلوان، وعين النبي أيوب في راس كركر، وعين النبي أيوب في خربثا، وعين النبي أيوب وبئر أيوب في دير أيوب، وعين أيوب شرق خربثا، وجميع هذه المناطق تقع بين مدينتي رام الله ونابلس.
ويذكر الدكتور توفيق كنعان في كتابه عن الأولياء المسلمين في الأراضي المقدسة الذي صدر بالإنجليزية عام 1927، بان أهل غزة يعتقدون بان النبي أيوب "قد شفي تماما عندما استحم بمياه البحر يوم الأربعاء الذي يسبق عيد الفصح اليوناني، ويسمى أربعة أيوب أو ابرية أيوب، وفي يوم الأربعاء المذكور يتم إحضار كل الغنم المصابة بالمرض إلى البحر لتغسل".
ولا شك انه يقصد بعيد الفصح اليوناني، عيد الفصح لدى الأرثوذكس، وهم في فلسطين أغلبيتهم من العرب، ولكن تسيطر الأقلية اليونانية من رجال الدين على مقدرات طائفتهم.
ولا يعرف إذا كان مثل هذا التقليد ما زال متبعا في غزة أم لا؟، وهي التي يتعين عليها الان ان تتحلى بصبر أيوب، اكثر من الاهتمام بالتقاليد الطبية المنسوبة إليه.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Reports/2008/5/330977.htm
عندما قرر العراقيون انقاذ فلسطين قبل 60 عاماً
بينما كانت سحب الحرب تلوح في سماء فلسطين، في نهاية أربعينات القرن الماضي، تأسست في العراق، جمعية أطلق عليها مؤسسوها (جمعية إنقاذ فلسطين) اتخذت من العاصمة بغداد مقرا رئيسا لها. وعملت هذه الجمعية على تنظيم صفوف المتطوعين العراقيين الذين ابدوا استعدادا للذهاب إلى فلسطين، للقتال ضد العصابات الصهيونية، وانتهت التجربة العراقية والعربية في فلسطين، بانتصار العصابات الصهيونية، وإقامة دولة إسرائيل، وعاد محمود فهمي درويش، السكرتير العام لجمعية إنقاذ فلسطين، إلى بغداد ليكتب شهادته على ما حدث، وتصدرها الجمعية في كتاب بعنوان (15 أيار 1948: كارثة فلسطين)، يمكن اعتباره، انه من الأدبيات الأولى التي صدرت بعد النكبة، التي يمكن تصنيفها في باب المراجعات السياسية النقدية، بعد الصدمة التي حدثت، وهو ما يمكن تلمسه من افتتاح درويش لكتابه بالقول "قضي الأمر! وأصبحت الدولة اليهودية المزعومة، غير مزعومة، فقد أقرت جمعية الأمم المتحدة الوضع الدولي واصبح اللقيط الصهيوني دولة ككل دولة وأمة ككل أمة".
ويعطي الكتاب الذي صدر في بغداد عام 1949، وقررت جمعية إنقاذ فلسطين التي أصدرته توزيعه مجانا، لأخذ العبرة، حسب تعبيرها، صورة عن الأجواء في تلك الفترة الحاسمة في تاريخ العالم العربي، والتي تبدو بالمقارنة مع المناخات الان، فترة رغم قساوتها شديدة الرومانسية، بعد أن أصبحت ما يسميها المؤلف الكارثة، كوارث، والنكبة نكبات.
نتائج متوقعة
ورغم أن عاطفة المؤلف لا يمكن إخفاؤها، لكنه يبدو على اطلاع واسع على ما جرى في فلسطين قبل النكبة، فهو زارها مرارا والتقى فيها بقيادات صهيونية، واطلع على أساليب عملهم، وهو ما جعله يقارن، بمرارة بين تلك الأساليب المنظمة، والأساليب العربية التي تعتمد على الارتجال، مما جعله يقول بان نتيجة الحرب، بإقامة إسرائيل، وتشريد الفلسطينيين، ما هي إلا نتيجة منطقية.
ويقول "كنت أتوقع مثل هذه النتائج منذ سنة 1945، يوم زرت فلسطين وتغلغلت في أوساطها، في تل أبيب، وحيفا، والقدس، والمستعمرات الصهيونية الأخرى المنتشرة هنا وهناك على طول فلسطين وعرضها، كنت أتوقع ذلك لاني شعرت بالفعالية الكبرى والنشاط الجم والتجمع والتعاون والتدريب والنظام العسكري الذي كان يعم جميع اليهود سواء منهم الكهل أو الفتى الطفل ذكرا كان أو أنثى".
ويضيف "درست أحوالهم عن كثب وحبرت في ذلك مقالات كثيرة نشرتها خلال الأربع سنوات الأخيرة بتواقيع مستعارة لعل أبناء قومي ينتبهون عن طريقها وينفضون عنهم الرقاد ولكن دونما نفع أو جدوى..؟!". والكتاب الذي وضعه درويش مزودا بالصور، يمكن اعتباره وثيقة هامة على النكبة التي يحي الفلسطينيون، الذكرى الستين لها هذه الأيام.
ويمكن إيراد بعض النقاط التي تطرق لها المؤلف كشواهد:
*لم يقتصر عمل شركة الكيرن كايميت، وهي إحدى اذرع الحركة الصهيونية، المختصة بشراء الأراضي، على فلسطين، بل أن نطاقها امتد إلى سوريا، ولبنان، والعراق، والى ابعد من ذلك، كما تبين من تقرير لمجلس اللوردات البريطاني الذي حقق في عمل هذه الشركة.
*حرص المؤلف على التأكيد بان أهداف الحركة الصهيونية تتعدى فلسطين، موردا ما سمعه شخصيا من زعماء لهذه الحركة، أو ممارسات لهم على الأرض، أو تصريحات نشرتها الصحف العالمية انذاك.
*يظهر أن مصطلح رمي اليهود في البحر، الذي الصق بعبد الناصر ونفاه، كان اسبق من ذلك بكثير وهو ما يمكن استنتاجه من قول المؤلف "هل يفيد أو هل ينفعنا أن نعلن متشدقين من أننا سنلقي بأخر صهيوني من صهاينة فلسطين إلى البحر! إذا ظلت الصهيونية محتفظة بقوتها الهجومية؟ تجاه ضعفنا وتخاذلنا".
*يؤكد المؤلف بان "اليهود لم ينتصروا في فلسطين بقوتهم ولا بقوة الدول المؤيدة لهم، إنما انتصروا لان حكوماتنا العربية لم تتفق على شيء في مؤتمراتها واجتماعاتها واتصالاتها المتوالية المتواصلة، إلا على شيء واحد هو التخاذل والتدابر".
*يشير درويش إلى كيف كان العرب ضحية الهدنتين الأولى والثانية، حيث استغلتهما الحركة الصهيونية لصالحها، بينما كان العرب يعيشون الغفلة.
مجاهدون ام تجار مسروقات
يوجه المؤلف نقدا حادا، مليئا بالتفاصيل لجيش الإنقاذ وقائده فوزي القاوقجي، ويتهمه بإضاعة الكثير من الفرص، وارتكاب أخطاء عديدة كانت في النتيجة قاتلة، ومن بينها أن تعامله مع الأهالي "كان في غاية الشذوذ والغرابة، فكان يعمد إلى مصادرة السيارات والأموال والأمتعة بدون مبرر ويتاجر بعض أفراده بها، كما كان بعضهم يقوم بتصرفات لا أخلاقية بدون مبالاة مما أدى إلى انتهاك حرمات وإزهاق نفوس، مما ترك أثرا سيئا في مختلف الأوساط".
ويأخذ المؤلف على الجانب العربي، حسن ظنه بوجهات نظر بعض الدول الكبرى، والاتصال مع هذه الدول "كما يتصل الفرد بالفرد باعتباره شخصا لا كما تتصل الدولة بالدولة باعتبارها ذات مصالح معينة".
ويعرض المؤلف للمأساة التي حدثت لأهالي مدينتي اللد والرملة الهامتين، والأداء العسكري غير الجدي فيهما، والذي أدى في النهاية إلى سقوط المدينتين، والذي تم كما يبدو بقرار سياسي يراه البعض تآمرا من جهات عربية، وهو ما تؤكده الوثائق الإسرائيلية، والقصة كما تحدث عنها آخرون سابقا من بينهم الجنرال الأردني عبد الله التل في مذكراته، وشهود العيان ومن بينهم الناشط الإسرائيلي اوري افنيري لكاتب هذه السطور، كارثية بأكثر مما يتصوره عقل.
ويتحدث المؤلف عن سوء الإدارة العربية للدفاع عن يافا، والتي أدت في النهاية إلى إضاعة المدينة، رغم ما بذله المقاتلون من أهلها من مقاومة، حققت انتصارات ميدانية، وما يرويه درويش من تصرفات جنود المقدم عادل نجم الدين الذي عين مسؤولا عن المدينة يبدو غريبا فهم كما يقول "كانوا مع اشتداد المعارك نهبا مقسما بين الحانات وفنادق الدعارة، وكثيرا ما كانوا يرجعون إلى قطاعاتهم سكارى فيشعلون معارك وهمية تضيع فيها الذخيرة بلا مبرر".
ويقول المؤلف أن ما يصفها تصرفات ضباط جيش الإنقاذ الشاذة جعلت أهالي مدينة يافا "يضجون ويفكرون في طريقة لتلافي الموقف ووضع حد لمأموري الضباط، ولما لم يستطيعوا ذلك صاروا يفكرون في ترك المدينة لا خوفا من اليهود حينذاك ولكن طلبا للنجاة من سوء تصرف هذا الامر وجنوده" ويقصد المقدم عادل نجم الدين، وهذه التصرفات تشمل النهب والسلب، ومحاولة إعاقة ما أراد أن يفعله آخرون مخلصون بقيادة ميشيل العيسى.
وبالنسبة للمؤلف فان الأمر لا يختلف بالنسبة لسقوط حيفا، ولا يتورع عن تلخيص مأساة هذه المدينة التي نافست يافا على لقب عروس البحر بالقول "قد بيعت حيفا إلى اليهود وبهذا فقد بيع ميراث الأمة العربية للصهاينة وقد سدت بوجه أهلها سبل النجاة".
44 شهيدا و28 جريحا
يروي المؤلف كيف تأسست جمعية إنقاذ فلسطين، بعد قرار بريطانيا مغادرة فلسطين في شهر أيار (مايو) 1947، وعقدت الجمعية أول اجتماع لها بتاريخ 3-11-1947، وانتخبت هيئة تنفيذية عليا لها، بعد ذلك بنحو شهرين، وشكلت لجانا تابعة لها مثل: اللجنة العسكرية، والحقوقية، والمالية، وتشكلت أيضا لجنتان "من كبار رجال مدينتي البصرة، والموصل باسم لجنتي إنقاذ فلسطين عملتا جاهدتين لإتمام أعمال الجمعية في بغداد".
وأصدرت الجمعية، بيانين دعت فيهما الشعب العراقي للتطوع، وعينت أماكن لتسجيل المتطوعين في أنحاء العراق، سجل فيها نحو 15 ألف متطوع، وتم تشكيل وحدات عسكرية ممن قبل منهم بعد اجتياز فحص طبي اجرته لجنة شكلتها الجمعية الطبية العسكرية، ومنحت الجمعية المتطوعين الرواتب ومصاريف السفر إلى فلسطين، بالإضافة إلى الالتزامات تجاه عائلاتهم. وفي 7-1-1948 انطلقت أول وحدة من تشكيلات الكوماندوز إلى فلسطين، برفقة عدد من الضباط والمؤلف نفسه، وفي15-1 تم تسفير فوج ثان، وبعد يومين غادر الفوج الثالث.
وانضم هؤلاء المتطوعون إلى جيوش سبع دول عربية أعلنت الحرب لإنقاذ فلسطين، ولكن الأخبار التي تأتى من ارض المعركة لم تكن مشجعة، على الأقل بالنسبة لإدارة الجمعية، التي احتارت في السبب كما يذكر المؤلف "اختلف المفكرون في تعليل هذه الانتكاسات فمن قائل أنها نقص في الدعاية أو قلة الاستعداد في العدد والسلاح. أو الاختلاف بين الدول العربية في النظر والعمل"، ومهما تكن أسباب الانتكاسات فان الجمعية أوكلت للمؤلف بإذاعة كلمة في الإذاعة العراقية تحت عنوان (زاوية فلسطين) لتنوير الرأي العام ابتداء من 13-4-1948، ويحوي الكتاب نماذج من تلك الحلقات الإذاعية التي غلب عليها الطابع التعبوي بالإضافة إلى تقديم معلومات عن سير المعارك، والجهود السياسية.
وبعد 12 أسبوعا من إذاعة هذه الحلقات سقط المؤلف محمود فهمي درويش، مريضا من شدة الإعياء ومكث في المستشفى 63 يوما. وأصدرت الجمعية خلال فترة عمرها التي لم تتجاوز الـ 13 شهرا ثلاث نشرات، ضمنتها الواردات والمصروفات ومقدار التبرعات ومجمل النشاطات. ويظهر أن طموح الجمعية تجاوز كثيرا مجال عملها في العراق، فشكلت وفودا إلى الدول العربية، بعد أن ظهرت "الانتكاسات في فلسطين" لتجميع الصفوف وتوحيد الجهود من اجل الهدف وهو إنقاذ فلسطين.
ومع نهاية عام 1948 كانت الجمعية قد صرفت ما مجموعه 59074 دينارا و309 فلسا، منها رواتب للمتطوعين والتزامات تجاه عائلات الشهداء بالإضافة إلى مصروفات اخرى خاصة بالجمعية، وبقي لديها من أموال التبرعات 11312 دينارا و908 فلسا أودعت في مصرف الرافدين. ويتضمن الكتاب أسماء "الشهداء من المجاهدين العراقيين في جيش الإنقاذ الخالدون في النعيم المقيم" وعددهم 44 مع تفاصيل عنهم ودعوة المواطنين للإدلاء بمعلومات عن ورثة بعضهم ممن لم تتمكن الجمعية من الوصول إليهم.
أما عدد الجرحى العراقيين "في جيش الإنقاذ الذين نالوا أوسمة الشرف" فبلغ عددهم 28، وتضمن الكشف بأسمائهم معلومات عنهم. واورد المؤلف في اخر كتابه ملحقا مصورا بعنوان (فلسطين الشهيرة: سجل مصور لفظائع الإنكليز واليهود 1921-1938) وهو بمثابة كتاب أخر بالغ الأهمية يتضمن صورا عن ما يصفها المؤلف مشاهد "النسف، الحرق، التخريب، النهب، تدمير المدن والقرى، التشويه، التعذيب، قتل النساء والأطفال، إهانة كتاب الله، تخريب المساجد" وغيرها.
ويقدم المؤلف لهذا الجزء من الكتاب بكلمة عنونها (فلسطين الشهيدة) يقول فيها "تتابعت في فلسطين الثورات منذ احتلها الإنكليز عقب الحرب الكبرى حتى لتكاد تكون حياتها في تاريخها الحديث، خلال السنين العشرين الأخيرة، عبارة عن ثورة دائمة تتخللها فترات من الهدوء المؤقت". ومما يلفت في الكتاب أن المؤلف ترك صفحته رقم 63 فارغة إلا من عبارة "حذف الرقيب من الصفحة 63 حتى 70"، ما الذي كان يرغب الرقيب في إخفائه عن الناس؟ هو سؤال قد لا تتوفر عليه إجابة أبدا بعد 59 عاما من صدور الكتاب، الذي يبدو وكانه اتى من عالم أخر كانت فيه بغداد تحتضن جمعية اسمها له علاقة بفلسطين.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/5/330196.htm
الأربعاء، 14 مايو 2008
بلدانية فلسطين العربية
يعتبر كتاب (بلدانية فلسطين العربية)، الذي وضعه الأب مرمرجي الدومنكي، من الكتب الهامة في مجاله، والذي يعتبر دليلا للباحثين والقراء المعنيين بالدراسات الفلسطينية.
ولد الدومنكي في بغداد يوم 31 تموز (يوليو) 1881، لأبوين من الطائفة السريانية، ولكنه كان طوال حياته اللاحقة يعرف نفسه باعتباره عربيا.يعتبر الدومنكي من العلماء الموسوعيين، درس الآداب العربية واللغات السريانية، واللاتينية، والفرنسية، والإنجليزية، والتركية، والألمانية، واليونانية، واللغات السامية القديمة.
وصل إلى القدس، ليعمل أستاذا في المعهد الكتابي والاثاري الفرنسي الدومنكي، وهو المعهد الرائد في مجاله، علم فيه العربية واللغات السامية.
قدم عدة كتب مهمة في مجال علم اللسانيات، ومن بينها كتابه (المعجمية العربية على ضوء الثنائية والألسنية السامية)، وفيه تحدث عن نظريته بان اللغة العربية هي لغة ثنائية، أي أن الكلمة تتالف في اصلها من حرفين، وليس ثلاثة، كما هو متفق عليه الان.
وكتابه هذا (بلدانية فلسطين العربية) وضعه بالعربية، ثم ترجمه إلى الفرنسية، ولم يقدر لصاحبه أن يراه مطبوعا باللغة العربية، لانه انتقل إلى الرفيق الأعلى عام 1963، بينما صدرت الطبعة العربية الأولى من الكتاب عام 1987م.
وقدم العلامة مرمرجي الدومنكي لكتابه قائلا "لقد وضع، لوصف البلاد الفلسطينية، شتى التأليف، في مختلف اللغات، ولا سيما في السن الأقوام الذين قطنوها، أو حكموها، أو زاروها، بناء على ذلك، كان من الطبيعي البديهي، أن يتجرد لمثل هذه المهمة وصافون من أبناء العربية".
وعن الهدف من كتابه ذكر الدومنكي "لكي تكون نصوص بلدانية فلسطين العربية قريبة المتناول لجمهرة المثقفين في العالم العربي عموما وفي فلسطين خصوصا، ثم للأجانب المشتغلين بنوع خاص في درس جغرافية الأراضي المقدسة، وتأريخها، واثارها، عقدنا النية وثابرنا عدة اشهر على مطالعة ما تيسر لنا الوقوف عليه، أي اكثر واهم مؤلفات البلدانيين العرب، فاقتضبنا منها كل ما يعود إلى فلسطين فجمعناه، ثم ابجدنا، أي رتبنا ترتيبا أبجديا، سائر النصوص الحاوية وصف الكور، والمدن، والقرى، والأنهر، والبحيرات، والجبال، وغير ذلك من المواقع، والآثار، والأحوال، ذاكرين بين يدي كل نص المصدر المستمد منه، ساردين كل مادة بموجب النظام التوقيتي".
هذا هو المنهج الذي اتبعه الدومنكي في كتابه، باستثناء ما يتعلق بالحرم القدسي الشريف، الذي افرد له فصلا خاصا، بعد نهاية عمله المعجمي.
وخلال عمله في هذا الكتاب تردد الدومنكي على الحرم القدسي الشريف والهدف كما يقول "قصد تحقيق كل رجا من أرجاء هذا الأثر التأريخي والفني الشهير، طبقا للأوصاف الضافية والمفضلة التي وصفه بها الاخباريون والبلدانيون من أبناء العربية، وقد سهل علينا إجراء هذا العمل ألطاف المجلس الإسلامي الأعلى، في القدس الشريف، فله منا مزيد الشكران باسم العلم والوطنية العربية".
وبالإضافة إلى المواقع الفلسطينية، يضم الكتاب ما كتب عن مواقع أخرى تقع الان في حدود دول قطرية عربية، ولكن كان ينظر إليها سابقا، دون العدسات القطرية الضيقة التي لم تكن موجودة.
ومن المؤلفين الذي اعتمد عليهم الدومنكي: ابن خرداذ به، والبلاذري، واليعقوبي، وابن الفقيه، وابن عبد ربه، وابن البطريق، والمسعودي، والاصطخرلي، وابن حوقل، والمقدسي، وناصر خسرو، والانطاكي، والبكري، والادريسي، والهروي، وابن جبير، وياقوت الحموي، وابن الأثير، وصاحب كتاب المراصد، والدمشقي، والقزويني، وأبو الفداء، والعمري، وابن بطوطة، والقلقشندي، والظاهري، ومجير الدين الحنبلي، والنابلسي.
ولم يشا الدومنكي، مناقشة ما كتبه هؤلاء، لانه يخرج عن نطاق كتابه، وأيضا فانه لم يضم ما كتبه الرحالة الأجانب، فباستثناء ناصر خسرو، الذي كتب بالفارسية، فانه اعتمد على مؤلفات باللغة العربية.
وهذا يعني أن ما وضعه الدومنكي، لبنة أولى، في الأعمال المعجمية الجغرافية حول المواقع الفلسطينية، وهو جانب يعتريه نقص كبير.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Culture/2008/5/330300.htm
الاثنين، 12 مايو 2008
الأحد، 11 مايو 2008
اللقلق الأبيض يختار حياة التنسك في صحراء البحر الميت
في صحراء البحر الميت، اختار طير مهاجر، غير داجن، أن يؤنس وحدة مجموعة من النساك الذين يعيشون في دير وادي القلط، وسط الصحراء.
والزائر لدير وادي القلط الان، يجد في باحة الدير طير يسير مختالا، نافشا ريشه، مستعرضا جماله، ومرحبا بالضيوف، وأليفا مع الزوار، رغم انه لا يعيش إلا بعيدا عن الناس، في الظروف العادية، ويأنف منهم، خصوصا وانه كثيرا ما يقع ضحية للصيد غير المشروع من قبل الكثير مما يذهلهم شكله.
يمتاز طير اللقلق الأبيض، والمعروف محليا باسم (أبو سعد)، يمتاز هذا الطير برجليه الرفيعتين النحيلتين، وتضرب الأمهات الفلسطينيات به المثل للإشارة إلى ضعف بنية أرجل الأطفال الصغار، قائلات بتبرم لأبنائهن "أرجلكم مثل أرجل أبو سعد" لحث الأبناء على الأكل والتغذية.
وعادة ما يكون ذو لونين: الأبيض والأسود، بالإضافة إلى منقاره الطويل الأحمر، وعينيه السوداويتين الحزينتين.
ويعتبر طائر اللقلق الأبيض من الطيور المهاجرة، التي تصل الى فلسطين، ويظهر في مجموعات، ولكن أحد هذه الطيور اختار أن يبقى بعيدا عن رفاقه، ويبدو انه كان يضمر شيئا في نفسه.
ويروي يعقوب الأطرش الذي يعمل في دير القلط، بأنه قبل فترة وجيزة، حضر إليه أحد البدو الذين يعيشون في المنطقة وقال له، ان شاهد طير اللقلق وحيدا في الوادي، ويبدو انه يحتاج لمساعدة.
وذهب الأطرش إلى حيث يوجد الطائر، فوجده في مكانه لا يحاول الهروب، مثلما تفعل طيور اللقلق الأبيض عادة، التي تطير بعيدا لدى اقتراب أي شخص منها.
ويقول الأطرش لـ ايلاف "عندما اقتربت اكثر من الطير، تحرك مستعرضا ريشه أمامي، بنوع من الحب، دون أن يحاول الهروب، وكأنه يقول لي اقترب مني".
ويضيف "اقتربت منه، ولم يحرك ساكنا، فحملته إلى الدير، وتركته في الساحة لأرى ماذا سيفعل، وإذا كان سيقرر الطيران والهروب، ولكنه لم يفعل، فأخذت بإطعامه، بوضع الأكل في منقاره الطويل الجميل، وبدا يتجاوب معي".
وبعد أن أطعم يعقوب، الطير الغريب المهاجر، وضعه على سور الدير، لكي يشجعه على العودة إلى الحرية، والجبال الشاهقة المحيطة بالدير، واخذ الطير، كما يقول يعقوب يسير متبخترا على السور، ثم طار إلى الجبال المقابلة إلى الدير.
ويتابع يعقوب قصته مع الطير "حط الطير على ارتفاع شاهق قبالة الدير، على بعد نحو 500 مترا، وأخذت أراقبه، ومكث في مكانه نحو ثلاث ساعات، ثم نزل إلى الوادي حيث الماء ليشرب، وبقي هناك، وكأنه ينتظرني، فذهبت إليه، وحملته واعدته من جديد إلى ساحة الدير".
ووضع يعقوب على عنق الطير حلقة فيها معلومات عن المكان الذي وصله بالإضافة إلى اسم يعقوب، حتى إذا طار اللقلق عائدا إلى بلاده، ووقع في أيدي الباحثين، فسيعرفون المزيد من المعلومات عنه، والتي ستساعدهم في التعرف عليه اكثر، ودراسة أنماط حياته وهجرته.
وتعود الطير على تناول الأكل من يد يعقوب، واصبح أليفا جدا لا يخشى أي من زوار الدير، أو المقيمين فيه، وعددهم أربعة من النساك اليونان، بالإضافة إلى يعقوب واثنين من زملائه العرب.
ويسير اللقلق، في ساحة الدير مختالا، مبرزا جماله، ليستلفت اكبر قدر من الانتباه، خصوصا انتباه صديقه يعقوب، دون أن يعرف بان الجيش الإسرائيلي يفرض حصارا على الدير منذ عدة شهور، ووضع حواجز عسكرية على الطرق المؤدية إليه، مما قلل بدرجة كبيرة من أعداد السائحين الذين يصلون إليه من مختلف أنحاء العالم.
ويشعر يعقوب بفرح كبير لصداقة هذا الطير، وقاس جناحيه فوجدهما بطول مترين، ولا يعرف إلا ماذا سيكون مستقبل هذه الصداقة.ويقول يعقوب "الطير الان موجود في باحة الدير، ويستطيع الطيران والمغادرة متى شاء، وأي قرار سيتخذه، فإنني سأحترمه، وسأبقى اذكر هذا الصداقة دائما".
ويعتبر طائر اللقلق، من الطيور المهاجرة، التي تعبر منطقة الشرق الأوسط، وتحط فيه في فصلي الشتاء والخريف، وتم تسجيله، في بعض الدول مثل الإمارات العربية المتحدة، في بداية الصيف أيضا.
ويصل إلى بلادنا من أوروبا الشرقية، عابرا إلى أفريقيا، ليمضي فصل شتاء دافئ هناك، بعيدا عن شتاء أوروبا القارس.
ويحظى هذا الطائر باهتمام كبير في موطنه الأصلي، وفي دولة مثل بلغاريا مثلا، ينظم سنويا مهرجان باسم (اللقلق الأبيض) في قرية مرامور القريبة من العاصمة صوفيا، ويشهد المهرجان فعاليات مرتبطة بالحفاظ على الرقعة الأخيرة الواقعة ضمن الشبكة الأوروبية للحفاظ على البيئة في محيط صوفيا، حيث تؤمها 43 نوعا من الطيور المدونة في الكتاب الأحمر للأنواع المهددة بالانقراض. ويهدف هذا المهرجان إلى خلق روح المسؤولية عند الجيل الصاعد من اجل العناية بالبيئة وحماية الكائنات المهددة بالانقراض.
ولان هذا الطير مهدد بالانقراض، وفقا لتقارير الأمم المتحدة، فان كثيرا من الدول، بدأت تتنبه لأهمية حمايته، وفي الصين مثلا، تم إدراج اللقلق الأبيض، على رأس قائمة الطيور المحمية.
وتدعم بعض الدول جهود العلماء لاقتفاء آثار هجرة اللقلق الأبيض، العابر للقارات، من اجل حمايته، من خلال دراسته، والوصول إلى افضل الطرق لوقف النقص الشديد في أعداده، نتيجة عوامل عديدة.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Entertainment/2008/5/329072.htm
السبت، 10 مايو 2008
الجمعة، 9 مايو 2008
الخميس، 8 مايو 2008
دماء مصرية على ارض فلسطين
الأربعاء، 7 مايو 2008
الثلاثاء، 6 مايو 2008
الاثنين، 5 مايو 2008
تهويد الانقاب الصحراوية والطرق الفلسطينية التاريخية
النقب يعني الطريق، أو المسلك في الجبل، وجمعها انقاب، وهي الكلمة التي ما زال البدو يستخدمونها، للإشارة إلى تلك المسالك، التي يكاد لا يعرفها غيرهم، والمنتشرة في صحراء البحر الميت، وصحراء النقب. ومن الصعب، تحديد تاريخ معين لهذه الانقاب، إلا أن بعضها شقه الرومان، لربط القلاع المنتشرة في صحراء البحر الميت، بحواضر أخرى في إمبراطوريتهم المترامية، وأخرى تعود لفترة الأمويين الأحدث.
وتحمل هذه الانقاب أسماء أطلقها عليها السكان المحليون، ولكنهم يجدون الان ما ينافسهم، على هذه الانقاب، ويستحوذ عليها، وإعطائها أسماء عبرية جديدة.
وتم عبرنة هذه الأسماء، بعدة طرق، منها إعطاء أسماء عبرية خالصة، لبعض الانقاب، في حين تم تحريف الأسماء العربية للانقاب الأخرى، لتناسب اللسان العبري، والبعض الثالث أعطي أسماء توراتية.
ومن المثير مثلا أن نقب (الحمار) اصبح اسمه (ميخفار)، وهو طريق منحدر بشدة يربط بين وادي الدرجة ووادي حصاصة في منطقة البحر الميت، واصبح نقب (الحظيرة) بتسميته العبرية (حتسيرا)، ونقب (الحملة) تحول (معليه محمال)، ونقب (الدريجات) اصبح (درجوت) وهكذا مع باقي الانقاب.
وفي ظل غياب أي اهتمام بحثي فلسطيني بالانقاب، فان الباحثين الإسرائيليين المهتمين، يقدمون رؤى ذات طابع أيديولوجي لها، بربطها بالميثولوجيا اليهودية المتعلقة بصحراء البحر لميت، والأراضي الفلسطينية.
وهناك دلائل تشير، بان العرب استفادوا كثيرا من بعض الانقاب التي سبقت وجودهم في فلسطين، وبأنهم أضافوا إليها ووسعوها.
ومن بينها مثلا طريق كانت تربط القدس بدمشق، تخترق صحراء البحر الميت، ووجدت دلائل على اهتمام الحكام من بني أمية بها، حيث عثر على شواهد تحدد المسافة بين القدس ودمشق، وتحمل اسم الخليفة بعد الملك بن مروان، وكثير من هذه الشواهد وجدت طريقها إلى متاحف العالم المختلفة مثل متحف اللوفر في باريس.
ومن بين هذه الشواهد، بلاطة عثر عليها المنقبون في عام 1884م في (خان الحثرورة) وهو حصن خرب الان على الطريق بين القدس-أريحا كتب عليها "...وسلم أمر بعمارة هذا الطريق وصفه بالأميال عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين رحمه الله عليه، من دمشق إلي هذا الميل تسعة وماية ميل.." وهذه البلاطة موجودة الان في متحف استنبول.
وكذلك عثر عام 1896م بالقرب من دير القلط، القريب من أريحا على بلاطة من رخام نقش عليها "أمر بعمارة هذا الطريق وصفه بالأميال عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين رحمه الله عليه من دمشق إلى هذا الميل سبعة أميال ومائة ميل..".
ويوجد ما يشير بان العرب شقوا أو رمموا الطرق التي كانت تصل القدس بالمدن الأخرى، وهذا ما يتضح مثلا من حجر ابيض موجود الان في متحف اللوفر في باريس، عثر عليه المنقبون عام 1893م على طريق الرملة ونقش عليه "أمر بعمارة هذا الطريق وصفه بالأميال عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين رحمه الله عليه، من ايليا إلى هذا الميل ثمانية أميال".
وفي عام 1902 عثر على حجر كلسي ابيض بالقرب من كنيسة أبو غوش على طريق الرملة كتب عليه "أمر بعمارة هذا الطريق وصفه بالأميال عبد الملك أمير المؤمنين رحمه الله عليه، من ايليا إلى هذا الميل سبعة أميال".
ومنذ عام 1967 عملت إسرائيل، وضمن مشروع ضخم وطموح، على تحديد العديد من الانقاب، وإضافة مسالك عديدة، لغايات أثرية وسياحية وتهويدية، والان يوجد نحو 10 الاف كيلو متر في فلسطين التاريخية (المسماة سياسيا إسرائيل والضفة الغربية) تحمل علامات بالأزرق والأبيض والأحمر، وفقا لطبيعتها، وضعت على خرائط يحملها محبو الطبيعة والمغامرون في الصحراء.
وينظر المهتمون الإسرائيليون والأجانب، لهذا الأمر، باعتباره إنجازا كبيرا، في ظل حقيقة، أن طول البلاد من الشمال إلى الجنوب لا تتجاوز الـ 500 كلم.
ويعتبر السير في هذه المسالك، دائما مغامرة، ولكنها ليست دائما محمودة العواقب، نظرا لوعورة الكثير من المسالك وخطورتها، وتطلب السير فيها تسلق منحدرات، أو السير على حواف جروف صخرية، يمكن أن يؤدي وضع القدم في المكان الخطأ، إلى السقوط في وهاد لا قرار لها.
ولكن وجود علامات دالة، تشعر السائر، بنوع من الارتياح، وتساعده على سلوك الدرب الصحيح، وانه في النهاية سيصل إلى غايته.
وأدخلت السلطات الإسرائيلية المختصة، تضاريس عديدة ضمن هذه المسالك، مثل الوديان، والوهاد، والتلال، والجبال، والقلاع، وعيون الماء، وموائل الطيور، والحيوانات، والخرب الاثرية، والرجوم وغيرها.
وتم استخدام مقابض حديدية، وزرعها في بعض المنعطفات الخطرة، للمساعدة في إيجاد تواصل بين هذه المسالك، التي تقع معظمها في مناطق يمنع على الفلسطينيين الدخول إليها، أما لأنها مصنفة ضمن حدود الدولة العبرية، أو مناطق نفوذ المستوطنات، أو محددة كمناطق عسكرية مغلقة.
ورغم انه تم وضع قسم كبير من هذه المسالك على خرائط خاصة، إلا انه على ارض الواقع، تبقى التجربة العامل الأهم في التعرف على هذه المسالك.
وارتبط تحديد وفتح مسالك جديدة، بما يمكن تسميته تطبيقات للحلم الصهيوني، بغزو الصحراء، واستيطانها، مثلما حدث عام 1995، بافتتاح مسار في صحراء النقب، يقدر سالكيه يوميا بالعشرات الان، سيرا على الأقدام، أو بالمركبات التي تسير على جزء منه، أو بدرجات الصحراء الخاصة.
وفي مقابل ما تفعله إسرائيل لمواطنيها، فإنها عملت، ومنذ عام 1993، أي بعد تطبيق اتفاق أوسلو، وبخطة تبدو الان، بالنسبة للفلسطينيين جهنمية، بالقضاء على ما يمكن تسميته الشوارع التاريخية في الهضبة الفلسطينية الوسطى، المسماة سياسيا الضفة الغربية، وتم تطبيق هذه الخطة في قسم منه، باستغفال السلطة الفلسطينية ومفاوضيها، الذي يعتقد على نطاق واسع، بان خبرتهم في الخرائط ضعيفة.
وشقت إسرائيل طرقا ضخمة، أسمتها التفافية، لربط المستوطنات في الضفة الغربية ببعضها البعض وبإسرائيل، مصادرة بذلك مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين، ومدمرة عشرات المواقع الأثرية، وعندما رفع المواطنون المتضررون، من هذه الشوارع، التماسات لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية، بواسطة منظمات حقوقية، ردت هذه المحكمة الالتماسات، بدعوى موافقة السلطة الفلسطينية آنذاك على شق هذه الشوارع.
ولم يكن شق هذه الشوارع، إلا جزء من تطبيق خطة تدمير الشوارع الفلسطينية التاريخية، في عملية إسرائيلية ممنهجة، استهدفت كما يرى كثير من المراقبين، أيضا ما يسمونه "الحيز الذهن" للفلسطينيين، فلم يعد لهؤلاء تلك الشوارع الرئيسية، التي تراكمت عليها حضارات تعاقبت على فلسطين، وربطتها بعوالم وآفاق مع الخارج، مثل الشوارع التي ربطت القدس بمدن أخرى مثل: الخليل، ونابلس، وغزة، وأريحا، وبيت لحم، ورام الله، والتي كانت تعمل بانتظام حتى علام 1993، وقبل ذلك وضع الاحتلال، ومنذ أيامه الأولى، في حزيران (يونيو) 1967، حدا لشارع القدس-عمان-دمشق، وفي وقت اقدم من ذلك، ومع قيام الدولة العبرية، أصبحت الطرق والمنافذ البحرية والبرية وسكك الحديد، وكأنها لم تكن.
ونشأ جيل فلسطيني جديد، تم برمجة تفكيره وخياله، ضمن شوارع التفافية، بعيدة، ومتعبة، وقصية، ومعزولة عن تأثيرات الحواضر الأثرية والتاريخية، ومحطات السفر، وأشكال العمارة المتنوعة، وينابيع الماء، والأشجار، ورؤوس الجبال، والسفوح، والسهول، والوديان، والمقامات، والخانات، والقلاع، ومحطات الاستراحة، وكل ما ارتبط بذاكرة ثقافية جمعية تكونت عبر قرون طويلة.
وكل ذلك جعلت الفلسطيني الناشيء، لا يفكر إلا في حيز مكاني صغير، هو المكان الذي يسكن فيه، ويتضاءل كل يوم، بالاسيجة، والجدران، ومعه يضيق الحيز المكاني في ذهنه عندما يفكر أو يخطط للخروج، أو حتى عندما يحلم، اذا تمكن من الحلم في ظل وضع سياسي شديد التعقيد.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Reports/2008/5/327737.htm
الأحد، 4 مايو 2008
الخميس، 1 مايو 2008
حناطير الخليل
حتى قبل أسبوعين كان قاسم احمرا، يعمل عربجيًا فينقل الخضار في شوارع مدينة الخليل الضيقة، في جنوب الضفة الغربية، ولكنه الآن يعمل على حنطور، ينقل الركاب من الوسط التجاري في مدينة الخليل، المعروف باسم باب الزاوية، إلى البلدة القديمة، في تجربة جديدة، وفريدة لمواجهة واقع معقد تعيشه المدينة.