قي
المهرجان الوطني الأول للأدب الفلسطيني في الأرض المحتلة (من 15-18 آب 1981)، وكنت
أصغر المشاركين بقصة ستعجب الناقد إبراهيم العلم، ويعتبرها واحدة من أفضل قصص
المهرجان (يا للزهو المتأخر على من سيزهون كتَّابًا وصحفيين بهيدروليك رفع الاحتراب
الفصائلي)، صعد فوزي البكري (1946 - 2025) على مسرح مدرسة المطران في القدس، آخر
المشاركين، ليلقي قصيدة، بدت مفاجأة، تبتعد كثيرًا عن سائد الشعراء الثوريين وهو
محسوب عليهم، منشدًا لعرار وخمَّارات عمَّان.
يتوفر
لدي ارشيف جيد عن المهرجان، ومن بينها كلمة إميل حبيبي، الَّذي سخر منا، فإذا كان
هذا الأوَّل في ظل الاحنلال، فكم سنعد من سنوات؟ وهل سيتأبد الاحتلال؟
سيظهر
البكري، ابن الشيخ ياسين، المجاهد والإمام، متمردًا صعلوكًا، كما وصف نفسه في
ديوانه الأوَّل: صعلوك من القدس القديمة، وشاعر رفض، شارك سميرة الخطيب وأحمد حسين وربما أيضا عبد اللطيف عقل، ندوات رفضية، مع
تغول فصائل المنظمة وأفرادها لمشهد ثقافي عُوِّل عليه في الأرض المحتلة.
سخر
وهجا وهاجم ما اعتبرهم متنفذي المنظمة في الصحافة والأدب، باسمه وتحت اسم عبد
الباقي هون، وهذه برأي أهم أُمثولة صعلوك القدس، الصمود في المدينة التي تبدو
طاردة لمثقفيها، منهم من يثير زوابع نقدية ثم يختفي في المهجر. أين غسَّان طهبوب
وطلال حمَّاد ومازن مصطفى وسحر خليفة وليلى علُّوش والشاعر والتشكيلي (....) عبد
السلام وسميرة الخطيب والياس نصر الله وعبد اللطيف عقل وهو صاحب قصيدة عن الصمود
في الأرض المحتلة يحث فيها صديقه المفترض على البقاء؟ لماذا لم يعد من تمكنوا من
العودة؟ منهم من رتب راتبه المجدي مع السلطة وغادر، مثلًا رشاد ابو شاور الَّذي
قابلته عشية الانتفاضة الثانية، ثم لم أره إلَّا على فضائيات الممانعة والجزيرة،
وزهير النوباني الذي بذل جهدًا لتأسيس مسرح يومي في رام الله التحتا بعد عودته مع
أوسلو ثم غادر، ومريد البرغوثي، الذي عاد وغادر حتى الوزير الأردني الراحل صالح قلَّاب،
وغيرهم. لم تسمع أن أي منهم قرَّر التبرع براتبه لصالح ضحايا الوطن، ما داموا
اختاروا عدم المكوث فيه.
لماذا
لم يستقر تميم البرغوثي في الأرض المحتلة؟ أطنب والده، في كتابه الجميل: رأيت رام
الله، بفخر كيف حرص على إتمام أوراق حصول ابنه على بطاقة هوية مثلنا. لماذا لا يعد
خالد الحروب ونائلة الوعري وياسر سليمان وجوزيف مسعد وفيصل درَّاج؟ لماذا غادر
عزمي بشارة؟ هل خشي من السجن؟ أحرام عليه حلال علينا، لماذا لا تعود غادة الكرمي؟
عادت وعملت مع السلطة وغادرت بسبب خلل وظيفي له علاقة ربَّما بالفساد أو
البيروقراطية، لتترك عملها وتمكث مثلنا بين الحواجز والبوابات. سمعت أنَّها مستقرة
في عمَّان الآن.
ما
يضحك أنه عندما نلتقي أي منهم يقولون نحسدكم لأنكم هناك. طيب تعالوا من هناك إلى
هنا وبلاش حسد على قتلنا وسجننا وهدم منازلنا.
أظن
أن المسألة غير عادلة. ناس تموت وناس تَنظمهم شعرًا، وحكايات. هل نحن فُرجة لكم؟ يكفي
أنَّنا فرجة للعالم والإقليم.
أمثولة
صعلوك القدس الذي غادرنا قبل أيَّام هي البقاء. تُذكِّر بأمثولة نادرة وهي عودة إبراهيم
أبو لغد، وتخطيطه ليدفن في يافا. لماذا عاد إبراهيم ولم يعد إدورد سعيد؟
في
عام 1984م، التقيت ورجائي البيطار صعلوك القدس في كشك فلافل البكري في شارع صلاح
الدين. سأله رجائي هل يحق للشاعر ما لا يحق لغيره؟ لن أنشر إجابته، رغم أنَّها لا
تدخل في العيب حسب معايير الرفيق ابن قتيبة. ويمكن أن تكون مفيدة في وصف واقع مثقفينا
المتمفصلين.
#فوزي_البكري
#أسامة_العيسة