سيختلف
ناس حارتي، حول الزمن الذي وصلنا فيه كنعان، وقرَّر أن يكون واحدًا منا. كنعان هذا
ليس كنعان التاريخي الذي كتبت عنه مقالة تاريخية عندما رفض لقب الأمين العام
المساعد الذي أسبغته عليه، وكان ذلك بداية لمشاكله الصحية التي اضطرتني لنفيه إلى
جبال رام الله، وهو الآن في عهدة صديق جديد له لاجئًا سياسيًا محدد الحركة، منتظرا
زيارتي، ولكنَّه لا يعرف أننا نعيش زمن مرحلة ما بعد أولاد الكلب.
نجح
كنعان الثاني، أن يكون صديقًا لنا كلنا. فهو مثلًا من يوصل الطلَّاب إلى المدارس.
ويرافق النساء، بغض النظر عن حظوظهن الدنيوية، إلى الشارع العام أو عيادة الوكالة.
ولكي يبدو منصفًا يرافق، على مضض، رجالنا. وهذا مدعاة فخر. التزام كنعان الأمني
والأخلاقي في مخيم يُقتحم يوميًا من جيش الاحتلال وتحمله الغاز المدمع وحزنه على
الشهداء، بالدفاع عن حياضنا، وثَّق علاقته بنا.
اتخذ
كنعان من تقاطع طرق الحارة موقعه الاستراتيجي، فيه تنهال عليه الأطعمة. ويحارب
الكلاب الضالة التي لا تكفيها حاويات بيت لحم، فتطمع في آلـ 2 كلغم من النفايات التي
ينتجها اللاجيء يوميًا، وهي نسبة عالية في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب، ومتى لم يكن
صعبًا؟
قرَّر
كنعان الزواج، وقع في حب عمره مع تقدمه في السن وميله للسكينة. هذا لا يعني أن
سجله يخلو من مغامرات. قبل أشهر خرجت على صوته لأجد الجار فهد حاملًا عصا مكنسة
يضرب شريكة كنعان التي لا تتركه. بخبرة العارف في شؤون الكلاب أفهمته أنَّ هذا
طبيعيًا وعليه الاعتذار لشريكة صديقنا كنعان التي ستفلته بعد التأكد بتلقحها من
جيناته الكريمة، وهو ما زاد من غضب كلبتي كايا صاحبة الدماء الآرية والتي لا نفهم
تعاطفي مع دماء كنعان البلدية الهجينة.
قلت
إن كنعان تزوَّج فعلا دون إبلاغنا بموعد الزفاف تقديرًا لظروفنا. أصبحت الزوجة
تظهر معه وأعادته إلى نشاطه. منا من تندر على كنعان لزواجه من كلبة تعاني من إعاقة
في رجلها. لم تجعلنا تتعاطف معها بعد إظهارها شراستها وملاحقتها لاطفال الحارة. لم
يتوقف الأمر عند ذلك تجمَّع حول كنعان أنسباؤه وبدأوا ينشطون فجرًا. مما اقلقنا.
رجتني كايا افلاتها لتأديب كنعان، ورفاقه لكنني لم أوافق لعدم قدرتها على مواجهة
البرابرة. لكل منا آخر، وكنعان هو آخرها المُتعب المحسود.
في
ساعات النهار عند التجمع في دكان صهيب يناقش رجال الحارة كيفية مواجهة جماعة كنعان
الجديدة، الذي يسجل له محاولاته الدؤوبة لوضع حد لها، لكنَّها لا تفهم أن الحارة
حارته والأطفال أصحابه. تناهى إلى سمع كنعان أن منا من بقارنه بابو شباب. ومنهم من
يقول المدعو كنعان. منشجعين بلغة بيان رئاسة الوقت، بحق العضو السابق في حزب العمَّال
الشيوعي السابق، الطامح لمنصب رجل اليوم التالي.
يعتقد
عدد أولاد الحارة الاكثر دراية أن زوجة كنعان، الَّتي يسمونها الحيزبون العرجاء، زُجَّت
إليه وجاءت لتنتقم لأن عرجها ليس ربانيًا، وإنما بسبب كمين للأولاد انتقامًا
لاعتدائها على الأطفال. والان جميع أفراد شلتها أصيبوا بالعرج، بسبب الكمائن،
فاستحقت صفة عصابة العرجان.
التقيت
كنعان الليلة الماضية مكانه، بدا مهمومًا، موزعا بين الحب والواجب، ونداء الحارة،
والكبرياء والهوى. طلب رأيي. قلت له يا
صديقي لا يغرك الحب، النساء لا يحبن الا أولادهن وكأنهم موكلات من السماء، لحفظ السلالة
يتساوى في ذلك السلالات الكلبية والأمنية والجنية.
امتعص
هاتفًا: هكذا هم أمثالك من المثقفين، ئنون إن لم نشاوركم وعندما نفعل تتلمظون
علينا. لا تعتقد أنك وحيد الثقافة القرنية. أنا أيضًا مثقف ولكن بدون قرون. اعرف
حجمك يا رفيق.
بعد
ساعات والحارة لم تنم بسبب الحارة. وصلت عصابة العرجان ل‘حداث الفوضى واقلاق راحتنا،
وبدأ كنعان محاولًا فرملة العصابة. عندما وصلت وكانت العصابة ابتعدت واتخذت مكانا
متأخرًا جاءت عيناي في عينيه. بدتا حزينتين موزعتين بين فسطاطين غير قادر على
الحسم.
صرخت
به: فسطط يا كنعان قبل أن تُفسطط!
الصورة:
كنعان الثاني، تعبًا، وحائرًا، وهامدًا.
#مخيم_الدهيشة
#أسامة_العيسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق