أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 11 يناير 2016

منشآت جُستنيان في جبال الخليل الغربية..!























ينزل الفلاح عامر خمايسة، إلى عين المعّمودية في قرية تَفّوح (تبعد 5 كلم شمال غرب الخليل)، ليتوضأ بمائها، وكأنه يواصل التقاليد الدينية المرتبطة بالعين، ولكن بصيغتها الإسلامية، ويحافظ، على الوظيفة الدينية، للعين، المستمرة منذ القرن السادس الميلادي.

تقع العين، بين سلسلة جبال، جنوب غرب قرية تقوع، ويعود تاريخها كما يقول الدكتور أحمد الرجوب، من وزارة السياحة والآثار، إلى عهد الامبراطور الروماني جُستنيان (527-565م)، وترتبط هذه العين، بدير مقابل لها، وقلعة على قمة جبل، مشرف عليها.

عين المعّمودية

سُميت العين بالمعّمودية، لوجود جُرن عمّاد في المكان، ولارتباطها بتقاليد تتعلق بيوحنا المعمدان (النبي يحي). يقول الرجوب: "حسب التقاليد البيزنطية، هربت الياصبات بطفلها الرضيع يوحنا المعمدان إلى كهف في عين كارم، خوفا من ملاحقة الملك هيرود، وتشير مصادر العصور الوسطى، انها واصلت السير إلى الخليل، ومن خلال نفق أرضي حملته والدته ووصلت به تَفّوح، فعاش صباه في تَفّوح، بدأ تعميد الناس من هذا المكان، في برية الخليل الغربية".

يضيف الرجوب: "تم بناء هذه المعّمودية على العين، في القرن السادس الميلادي، في عهد الامبراطور جُستنيان، حيث وصلت الديانة المسيحية إحدى ذراها، وبنى الدير في المكان، وبنى قلعة لحمايتهما، وظلت مستخدمة وموجودة فترة طويلة مقدسة، وتشير الدلائل الأثرية، بانها خضعت في الفترة البيزنطية، للصيانة والترميم، وبعد الفترة الصليبية، فقدت اهميتها، والمعلومات عنها قليلة، ولكن العين احتفظت بالتسمية".

ويفيد الرجوب، بانه في ثلاثينات القرن العشرين، أجربت حفريات أثرية في الموقع، من قبل علماء آثار من المدرسة الفرنسية التوراتية بالقدس، حيث تم الكشف عن العين، وتوثيقها، اضافة إلى الدير، والقلعة".

تتميز هذه العين، بجرن عمّاد، مبني في الأرض، وهو عبارة عن تجويف دائري، يُنزل إليه بدرج، لا يستعمل حاليا، تصل المياه إليه من خلال نفق طوله ثمانية أمتار، يعود للفترة البيزنطية، خضع للصيانة والترميم في الفترة الصليبية، ويعود السقف للفترة الصليبية.

يقول الرجوب: "يتميز هذا الجرن، بانه الوحيد في فلسطين، بحجمه، الموجود خارج كنيسة، هو عبارة  عن بركة مياه ينزل اليها بدرج".

يعتقد الرجوب، بوجود ساحة مبلطة بالفسيفساء بجانب الجرن، لم يتم الكشف عنها، ولكن بعض الفلاحين، تحدثوا عن وجود أرضيات فسيفسائية، ظهرت أجزاء منها خلال عملهم في الأرض.

يوجد نفق آخر يوصل إلى بركة رومانية، استخدمت لأغراض زراعية، ولكنها الان غير ظاهرة، لانه، في عام 2011، بنت إحدى المؤسسات خزان مياه بجانب العين، وأدى ذلك إلى سقف البركة، وإخفاء معالمها، وتشوه هذه المنشأة المشهد الحضري للعين.

يقول الرجوب: "كوزارة لدينا قضية مع المؤسسة التي بنت هذا الخزان، بشكل اساسي على البركة الرومانية، فدمر المشهد الثقافي لهذه المنطقة، التي تُشكل جزءا من التاريخ الفلسطيني، وجرى الحديث مع المؤسسة، ومع بلدية تَفّوح، لإزالة هذا الخزان، مع ايجاد بديل يخدم المزارعين". ويؤكد، بان بناء الخزان تم بدون الحصول على ترخيص من البلدية، أو الوزارة.

تستخدم مياه العين الان للزراعة، كما يقول عامر خمايسة، وتستقطب، سكان القرى المجاورة، خصوصا في فصل الصيف، لتعبئة زجاجات مِن مياه هذه العين المنعشة.

خربة الدير

يُطلق على المنطقة التي تقع فيها عين المعّمودية، خربة الدير، التي تعود للعصر البيزنطي (القرن السادس الميلادي) وكشفت مسوح أثرية عن وجود دير، في الموقع، قبالة العين، صمدت منه غرفة واحدة، سقفها على الطراز الصليبي، ودُمرت جزئيا، من قبل الباحثين عن الكنوز.

يقول الرجوب: "بُني هذا الدير الصغير، لخدمة المعّمودية، بني في الفترة البيزنطية، ورُمم في الفترة الصليبية، وتعرض ويتعرض للتدمير بسبب الحفريات غير لاشرعية، من قبل لصوص الآثار".

يمتاز الدير بنافذة في السقف (روزنا)، على شكل وردة، يقول الرجوب: "اعتقد ان هذه الروزنا الجميلة تعود للعصر الصليبي، وشكلها يرمز إلى حوض التعميد، وهي تحاكي وردة رباعية".

ارتبطت هذه الروزنا، باعتقادـ لدى الأهالي، ان في كل حنية فيها يوجد جرة ذهب، وأتى شيخ مغربي، فنزعها واخذها، يقول الرجوب: "الاشاعات عن وجود ذهب في الدير، أدى إلى تخريبه، فبعد الاعتداء على الروزنا، يجري الاعتداء على الجدران، بدعوى انها تخفي كنوزا من الذهب، يتعرض هذا المكان الاري المهم للتدمير، بسبب الاوهام، والقصص غير الواقعية".

القلعة

أعلى الجبل، الذي تنبع من أسفله العين، يمكن رؤية بقايا قلعة، أُنشئت لحماية العين والدير، في العهد البيزنطي وجددت في العهد الصليبي، بقي منها صامدًا بوابة مهيبة تُغلق بحجر دائري ضخم، ويعلو البوابة عتبة عليها صليب محفور، وحوله حروف لاتينية.

يقول الرجوب: تحتوي خربة الدير، المنشأة الثالثة التي تعود للقرن السادس الميلادي، وهي القلعة، التي بُنيت بشكل أساسيّ، لحماية المعّمودية والدير، والمنشآت الأخرى. هذه القلعة تشرف على المشهد الثقافي في المنطقة، وتطل بشكل مباشر على المعّمودية والدير".

أبرز ما تبقى من القلعة، بقايا الباب، وحجر الغلق الدائري الصخم، الذي كان يستخدم في حالات الطواريء كالهجوم على الموقع، أمّا في الداخل، فاستخدمت الأبواب الخشبية.

يقول الرجوب: "ما يميز هذه القلعة طريقة إغلاق الباب وإحكامه، ولدى اغلاقه، كان يستحيل على الأعداء اقتحام القلعة، التي يبدو انها هجرت في الفترة الإسلامية".

يضيف الرجوب: "نرى الصليب على الباب، وربما يوجد كتاباتأاخرى، هذه القلعة نموذج لارتباط الهدف الديني مع الهدف العسكريّ".

قنوات

يقتحم المستوطنون المنطقة، ويعتبرونها جزءا من مسارات مشي سياحية، تصل إلى بيت جبرين في الاراضي المحتلة عام 1948م، ويطلقون على الوادي "وادي جبريل"، ويربطونه بالتاريخ التوراتي. وكل قسم من الوادي، بالنسبة للمواطنين، يحمل اسم العين التي تقع فيه.

وفي مقابل هذا التهديد، يُنظم الدكتور الرجوب، جولات مشي لتعريف المواطنين بالمواقع الأثرية في المنطقة، ومن بينها عين المعّمودية، التي جُرت مياهها، مع مياه عيون أخرى إلى مدينة بيت جبرين، التي كانت أبرز المدن في منطقة الخليل، إبان العهد الروماني.

يقول الدكتور الرجوب: "استحدث الرومان نظام مائي، عبر قناة تجري فيها المياه من عدة عيون مثل عين ننقر، وعين الصعيبة، وعين كنار، وعين فرعة، إلى بيت جبرين".

ويوجد اثار للقناة المرتبطة بعين المعّمودية، وجزء منها كما يقول الرجوب مقطوع في الصخر، وتحوي أنابب فخارية. وحسب الرجوب، فان اهمية هذه القناة تراجعت بعد الفترة البيزنطية.

وماذا عن الخطط المستقبلية؟

يجيب الرجوب: "نخطط لبناء متنزه أثري، بحيث يتم استئجار أو استملاك المنطقة، واجهت بلدية تَفّوح معارضة من قبل اصحاب الاراضي، ولدينا مفاوضات معهم لاستئجار المكان، وإذا فشلت المفاوضات، فان وزارة السياحة والآثار، سوف تقدم مشروع استملاك لتحويل العين ومنطقتها إلى متنزه أثري".


 

هناك تعليق واحد: